هل كان حباً ؟
كعادته يجلس فى حديقة منزله الواسع الفخيم كل صباح يتصفح ويقلّب على اللاب أخبار شركاته والبورصة والفيس بوك وجميلات الميديا وغير ذلك
…. كان دوماً ينتظر قدومها فإذا أتت بوجهها الملائكى المبهج للقلوب و بصوتها عذب الأنوثة
الآخذ بالألباب كبسمة طفلةٍ تعانق أُمها بعد غياب لم يستنكف فى أن تستقطب أو تستنزف مسامعه وقلبه وبصره مختلساً صوبها النظرات بين الفيْنة والأخرى لكنه ممزق الأوصال بُرجْه العاجى و طبقته الأرستقراطية تٌمانعه عن إبداء إيماءٍ أو كلمة واحدةٍ للإعجاب بها
……أما هى فلم يَخف عليها بفطْنة النساء نظراته الهائمة لكنها لم تُمنّ نفسها أى رجاء فهيهات هيهات أن تلتقى الأرض بالسماء أو المحيطات بالقيعان….
….جاءت” صباح ” تطرق باب الفيلا كعادتها كل صباح وكأنها تطرق باب قلبه فلا يُصبح للأموال والبورصة مكان يزاحمها
….جاءت تحمل الزجاجات الممتلئة باللبن مع قطع الجبن والزبدة الفلاحى بعد رحلة طويلة من قريتهم فى زحام القطار المتجه إلى الأسكندرية…
أسرع الحارس نحو الباب يُقابلها …
كانت تنهيداتها ممتزجة بُحمرة عناء سفرها على وجه تلك الحُميراء وعيناها الكحيلتان الواسعتان ورموشها الطويلة دون تكلف النساء كاللاتى يعرفهن …
عم عبده وهو مبتسم : صباح الياسمين والفل والقرنفل و…
صباح : ستنتهى الجنينة كلها يا عم عبده …. بلْكنّتها الريفية ردت و بإبتسامةٍ لا تفارقها كعادتها من غير إفراط ولا تفريط فيطمع الذى فى قلبه مرض
…سمع صوتها فأربك فؤاده وتاهت كل المعالم أمامه إلا موقعها فى خريطة قلبه فأصبحت عالم بأسره يعيش هو فى أسره لم يتمالك فيض وجدانه المتأجج نحوها لقد قرر أن يتحدث إليها…. إن لها عبق لعطر ولون لم يألّفه من بين زهور نساء الأوساط الراقية إن الخالق أودع فيها من الحُسْن ما يشاء … لم تتصنع مكياجاً ولم ترتسم بسمة مزيفة كالتى ترسمها الموظفات فى شركاته ….لم تتملقه بعبارات كما تفعل خطيبته حين تريد مزيداً من الهدايا التى لا تشبع نهمها المتسلط عليها … يزيد من حُسنْها كفاحها بشرف على والديها الطاعنين فى السن
.. كل هذا أو بعضه أو غيره هو ما أستقر فى نفسه و استنفر همّته ليتحدث معها هذا اليوم .
أحمد بيه : تعالى يا صباح …
….أقدمت نحوه وكأن الأغلال تُكبلها ..وهى توارى خصلات شعرها الورافة ظلاله كالحرير الذى ينساب على صفحة الماء الرقراق من تحت طرحتها وعيناها تتعامد فوق حذائها المشبع بأتربة السفر… تكاد تتهاوى أرضاً من طول ثيابها الذى يُربْك خطواتها التى تتباعد فيها مسافات الوصول ،ما بين عالم وعالم وطبقة وطبقة ، الوصل بينهما صعب المنال ترى هى أنه لو تحقق يوماً سيجّْنى السائرون فى طريقه الأشواك
..وصلت إليه والخجل يحاصرها من كل جانب ثم وضعت بضاعتها أمامه وهو يُطالع حُسْنها ويطارد نظراتها الهاربة منه وكأنه مُدقق لُغَوى يقرأ بدقة كل حروف وكلمات نصه
ثم بكلمات تفيض وجْداً : بضاعة جميلة كجمال صاحبتها وما أحلاه اللبن الصافى كقلبك الأبيض..سأخذ كل هذه البضاعة لكن المال بالداخل اتبعينى يا عزيزتى
….الصمت لغتها ..الدهشة تقتلها …فرحت للوهلة الأولى لأنها لن تعانى يومها و لأنها لأول مرة تسمع كلمات رقيقة من علياء هذا الشموخ وما كان دنوها منه إلا كحُلم فارس أغار عليه الأعادى فاحتمى بذى قوةٍ
…وبصوت يزفه للوجود خجلها: شكراً لحضرتك
وفى طريقهما اتجه إلى أشجار الورود التى تملأ حديقته واقتطف لها وردةً حمراء وهو يلاحقها بنظرات عجزت عن سبر أغوارها وكشف ماهيتها
….سارت خلفه بخطى غير واثقة فى طريق الوصول تتسأل هل هذه شفقة عليّ ؟ أم هى سجّيته ؟ أم لصاحب الجاه والسلطان مأرب و نوايا أخرى ؟
إن عنائى طوال اليوم أهون عنديّ من عناء قلب أبوىّ لو أُصيبت كرامتهما بمكروه ..الله يرعانى ما دمت على العهد ماضية ….
…. أفكارها كانت تُسابق خطواتها المتخاذلة الهاربة من جسدها المرتعش حتى اقتربت من الباب للدخول خلفه وبسرعة البرق الخاطف حملت نعليها ولملمت أطراف ثيابها الطويلة واتجهت خلفاً صوب الباب الخارجى للفيلا
…. لم تدر بائعة اللبن بذاتها الا وإحدى رفيقاتها تحاول إفاقتها من سباتها وحلمها الذى تبحث عن تفسيره طوال رحلة العودة داخل زحام القطار العائد لبلدتها
… لم تجنّ تلك الفتاة من يومها سوى وردته الحمراء فأخذت تقتطف من أوراقها وترمى أرضاً علها تجد جواباً وهى تردد … هل كان حباً ؟ ..هل كان حباً ؟؟
More Stories
رساله شوق ” للشاعرة : لمياء صلاح _ مصر
هو قلب مين فينا ” للشاعرة : منى فتحي حامد _ مصر
طوفان الحب ” للشاعرة : غادة قنطار _ الأردن