19 مايو، 2024

“باكو شاي ماركة السبع” للقاص : سمير الفيل _ مصر

سمير

سمير

باكو شاي ماركة السبع

قصة قصيرة

حدث هذا في أقل من دقيقة ، جذبها من طاقة فستانها ، وهرول إلى الباب فأغلقه ثم جلس بهدوء مصطنع على كنبة الأنتريه الفستقية ، كاظما غيظه.
لم يمر وقت طويل حتى عدلت فستانها ، وضعت يديها في خصرها، لاحظت امتلاءه لكنها لم تهتم بذلك ، حدجته بنظرة غاضبة تجمع بين التحدي والعتاب.
زجرته واختارت أقل الكلمات: افتح..
رد بعنف لم تعتده: لن أفعل حتى لو انطبقت السماء على الأرض .
ران على الشقة هدوء مريب غالبا ما يحدث قبل اندلاع العاصفة ، التي لا تبقي ولا تذر.
الحكاية وما فيها أنه طلب منها تجهيز كوب شاي قبل أن يخلد لنوم القيلولة، وهي أجابته بأنها مشغولة بارتداء ملابسها، وغرس الدبابيس في شعرها .
أضافت وهي تتقصع: قم أنت جهزه، (ولا على أيديك نقش الحنة ؟ ).
ابتلع الإهانة ، وقرر أن يفوتها بمزاجه، فهو راجع من عمله منذ ساعات قليلة ، وعليه أن يستريح.
يعرف أنها مثله ، تظل تعمل بقلم الحسابات من أول دخول المصلحة وحتى وضع دفتر الانصراف على المنضدة الرخام الصغيرة للتوقيع.
من حقها أن تستريح، لكنه قال في نفسه: هل كوب الشاي يأخذ وقتا ؟!
قبل أن تخرج لزيارة أمها أوشكت أن تلم الدور ، وتدخل المطبخ لعمل الشاي . في تلك المسافة من حجرة النوم الكبيرة والصالة سمعت شخيره.
غيرت رأيها ، قررت أن تتسلل ، وتخرج حتى لا يلاحقها بطلبات جديدة : ماذا يجري لو تعب قليلا؟ .
إن خمسة عشر عاما من الزواج كفيلة بقصف عمر أي موظفة تراعي ربنا في شغلها.
وهو في غمرة نعاسه ، جثم على صدره كابوس ، يتمثل في وحش كاسر ، بأنياب ومخالب يتجه نحوه ، استعد للدفاع عن نفسه ، غير أنه رآه يدخل المطبخ ليقضى دقائق وضعته عند الحافة الحرجة: أقوم أم اختفي؟
كأنه لم يره، وجده يخرج من باب المطبخ ، بيده كوب شاي. كان البخار يتصاعد من الكوب الزجاجي ، والوحش يرتشف بتلذذ أول رشفة ثم يهز رأسه باستمتاع .
هب من نومه مذعورا، وكان يوشك أن يستل سكين مطبخ ليغرس نصلها في صدر الوحش ، لكنه خرج من الشباك الذي جاء منه.
انتبهت إليه وهو يقاوم فزعه: ماذا يا رجل. كل هذا الغضب من أجل كوب شاي لم أجهزه لك؟.
هز يديه بغضب: الموضوع أكبر مما تتصوري . انتظري قليلا حتى..
سألته وهي تناوره: حتى ماذا؟
خشي أن يصارحها بكابوسه، لكن استغراقه في النوم قبل المشاجرة جعله متيقنا أن الوحش في انتظارها بالخارج.
ما معنى أن يتجول الوحش في الشقة ، يدخل ويحضر الشاي ويلقم الكوب ثم يسمعه يقلب بالملعقة ، ويخرج: هل هو بيت أبيه؟
نظرت إلى غضبه ولم تحط بأسبابه ، خطت خطوات قليلة حتى جذبها بهدوء هذه المرة . لمسة فيها رقة لم تتعودها منه منذ سنوات.
استلقى على الكنبة التي شهدت غرامياتهما في شهر العسل حيث كان يلاحقها ويجرها للنوم الإجباري وهي تتمنع وتصرخ صرخات استعارية ثم تضحك بمنتهى السرور ، بعدها يهمدان سويا.
لكي تريح دماغها ، بدون أن تنظر نحوه رأت ان تجهز الشاي ، وأمرها إلى الله. : على فكرة أنا أذهب لأمي كي أرفه عن نفسي. لولا ذلك لمت كمدا .
كانت صورة الوحش قد تبددت ، وشعور بالتعاسة استولى على كيانه : رجل في الخامسة والأربعين يهتز لمرئيات غامضة ؟ .. كيف بالله يتعرض لكوابيس في النهار والشمس طالعة؟! الكوابيس لم تكن تأتـي إلا في الهزيع الأخير من الليل.
قالت: سوف أعمل لك كوب الشاي، وبالمرة أشرب معك.
قال لها: يا ليت. ياسمين قربت هي وشقيقها ناجي أن يخرجا من الدرس الخصوصي.
انتزع نفسه من بقايا غضبه ، لاطفها وهو يضحك: الشاي يكون من يدك سكر.
طلع صوتها من المطبخ مبتهجا: أنت رجل ” بكاش”.
ولكنها خرجت من المطبخ متوترة: لا يوجد شاي في العلبة ؟ !
أنت تسرف في شرب الشاي كأنك مدمن؟!
رد عليها بصوت منكسر: منه لله الوحش؟!
خرجت لتستطلع الأمر؟
نظرت نحوه باستغراب: ماذا كنت تقول؟
اتجه للباب وأدار المفتاح في الثقب وتهيأ للنزول: سأشتري باكو شاي.
قالت بمنتهى الجدية: هاته ماركة ” السبع”؟!
هز رأسه موافقا ، وهو يتلمس بيديه درابزين السلم : أكيد، طبعا.. هو فيه أحسن منه؟!

8 / 5 /2021.