18 مايو، 2024

” مس ” للقاص : فايع آل مشيرة عسيري _ السعودية

سعودى

سعودى

مسَ..

تعيش وسط غابة ذكوريّة ..لاتعرف من النساء إلا أمها..
لم تجد في ترتيبها الرابع من أصل ستة أخوان في كرت العائلة الصغير الذي لا يفارق محفظة والدها الذي يعاني حالة إنعزالٍ دائم فقد أهملتها أسرتها طويلاً رغم أنها تعيش معهم وفي بيتٍ واحد…لم تجد ملاذاً كي تعيش خصوصيتها إلا في غرفةٍ معزولةٍ اشبه بالمستودع ..
حملت معها كل شيء هناك وكل أحلامها وسواليف صديقاتها في المدرسة..وحكايات الصيفية والمناسبات..غير أن سوالف معلمتها في سنتها الأولى في المرحلة الثانوية تسيطر على كل تفكيرها بالموت والسحر والعين والجن وقصص الخرافات الصحوية..حتى بدأت تقرأ كتباً وتشاهد الكثير من قصص الأموات والنهايات عبر اليوتيوب كأن الحياة للموت فقط بدأت تتغير في كل تفاصيل حياتها مع أمها تحديداً
وتحب العزلة والتشدَّد..ولأن أسرتها لا تعي معنى الأحتواء والإجتماع فالأب يعاني تبعات طفولة بائسة وحالة عزلة القت بظلالها على أسرته التي تعودت هذا البعد منذ أن انفصل عن زوجته خمس سنوات ثم عاد لها ثانيةً ولكن بقايا الفقد وطفولة سافرت معها نصف عقد من يعيدها لهم..؟
خلف التقنية ينساقون ويتيهون تيهـاً جعلهم في عزلة الروح دون الجسد..
في بيتٍ يحويهم ولا يحويهم صرخات الأم من ابنتها بأن تهددها وتتهمها بالخيانة والضياع ..عاملتها الأم بقسوة وعنفتها ضرباً وكلاماً جارحاً..بدأت تتغير فعلاً ووصلت أن أستنجدت الأم المكلومة بأخواتها وأخوانها كي يجدون حلاً معها لهذه المشكلة..وجدوها تهذي كثيراً بكلامٍ لا يفهم وأحاديث ملفَّقة ..وفجأة أغلقت عليها باب غرفتها ” المستودع ” وسط محاولات في إقناعها بالخروج من هنا بدأت القصة الساعة الواحدة والنصف بعد منتصف الليل ..بدأت التمتمات وأنتم من أهملني طويلاً..لا أحد يسأل ولا أحد ينشد
لا في عيد ولا في مناسبة لا هدية ولا عطف ولا حب ولا أحد يسمع لي ..ليس ذنبي أن أعيش فتاة وحيدة وسطكم ولكنه ذنبكم أن تمهلوني بدلاً أن أكون مدللة الأسرة لا أب يعلم عني ولا أم سوى أفعلي ولا أفعلي..سنوات مضت وأخوتي البقية همهم أنفسهم ..تقفل كل شيء عليها بما فيها النوافذ..
تنادي من وراء الجدران وخلف الباب قولوا عني مجنونة وقولوا عني ما تريدون لكن لن اسمح أن أعيش بينكم متمات طويلة وهذيان وصرخات تضج المكان والزمان..كُسِرت نوافذ الغرفة ” المستودع ” وإذا بها تنظر للجميع من ركن الغرفة وكأنها ضائعة وسط عالمٍ مليئاً بالتيه
تمسكُ على رآسها وعلى بطنها..تقدمت خطوات تحاول أن تقاوم داء أصابها وعاث بها فساداً خمسُ ساعات متواصلة..كانت تشير للباب ولكنها تصرخ سأحاول أن افتحه ولكنهم لا يريدون أن افتحه..؟
ووقفت في نافذتها ورأت الصباح نادت أبي .. أمي ..أخوتها كم الصباح جميلاً..؟!
يا لهذه الشمس كم أحبها ..؟وبرقت دمعتها على خديهـا..انطلق أبوها وهو يحمل حجراً كبيرة يحاول أن يرميها لكن حاجز النافذة تصدى لها وانفض أهلها من حولها وصرخت فجأةً وعادت لركنها في ذات الحجرة..وقد أزبد وارعد ..”شرهتينا من الناس والعالم ..لا تمرضونها فتصدق ولا تصدقونها”..كذَّابة سأضربك وأقتلك ..وسأرمي لحمك للكلاب ..!!!
في ركنها أستلقت بظهرها على ذات الركن وسقطت فجأة ..
وهي تبكي ..عادت تنادي الأحياء والأموات ..تنادي طفولتها الضائعة في قريةٍ لم تستوعب مذكرات فتاة تعاني الفقد وربما المس ..!
نادتهم وهم ينظرون لها أخوان وأم وأب وأقارب وجيران وكأنهم يستعطفونها ..
لن افتح باب غرفتي حتى تقطعون على انفسكم وعداً بأن تقفوا معي وتمنحونني قلوبكم ..
فُتِح الباب واغمي عليها لتبدأ معها الحقيقة تبحث عن الحقيقة .