18 مايو، 2024

” في الريف، تمتزج الأسطورة ” للقاص : وسام مسعد _ البحرين

في الريف، تمتزج الأسطورة بالحياة العادية، يختلط الخيال بالحقيقة، ويتداخل الجهل بالإيمان. كل شيء هادئ هناك، الكائنات والطبيعة يعيشان حياة حميمية هانئة، ما عدا النفس الإنسانية.
في زمن الحرب، يدفع أبناء الريف، نتيجه لتدني الوعي عندهم ثمنا أكبر. النساء الريفيات والأطفال تحديداً يدفعون الثمن الأكبر.
ليس الموت هو الثمن الذي أعني، هناك أشياءٌ لا تقل فداحة: الفقر، الفاقة، الحرمان، البؤس، غياب التعليم.
تخيل مكاناً نائياً عدد الأساطير فيه يفوق عدد البشر، إذا تسامرت مع أحدهم سيروي لك عشر أساطير دفعة واحدة، وسيحدثك عن ذلك بإيمان عميق. تلك الفنتازيا لطالما كان الكثير منها غارقة بالألم والمرارة.
تخيل: أسطورة تحكي قصة الألم المستحيل، الألم الذي لا يمكن لبشر احتماله، يؤمن بها هؤلاء البسطاء ويدخلون في نوبة نشيج كل مساء لأجلها.
عندما أصبح العالم قرية واحدة، انسحبت الأسطورة إلى الأماكن الأكثر عزلة، إلى القرى النائية البعيدة، وظلت وإن أفل نجمها.
تحولت الأسطورة المؤلمة، إلى سردية حياتية موجعة. لقد وصلت الحرب وعبرت منازل القرى العتيقة، وتوشحت جبالها ووديانها السواد.
المرأة الريفية راهبة، تمارس خلوتها في الشعاب والوديان ووراء الأشجار وعند منحدرات السيول، تهيم في الحقل مغمورة بالإيمان والطهر، وتجري على ظهور الجبال تسبح وتجمع الحطب.
عندما تعود للبيت، لم تعد تسامر أهلها وتشاركهم النشيج وهم يحكون أسطورة مؤلمة، صارت تستمع إلى المذياع أو التلفزيون وتصغي إلى أسطورة وطنها الحقيقية والموجعة فتذرف دموعها الطاهرة، وتنزف دم قلبها النقي.
في الريف، تتحدث وجوه الأطفال دون ألسنتهم، تصرخ عيونهم دون حناجرهم، وتعبر ملابسهم وحالهم أكثر مما قد تستطيع فعله أي كلمات.

سأحدثكم عن الأسطورة المظلمة لأطفال الريف: ثمة من ترك تعليمه، لأنه لا يجد قيمة دفتر وقلم عادي. ثمة من يدرس بمصروف مدرسي مقداره صفر ريال يمني طوال العام. ثمة من يعاني من سوء تغذية مزمن يظهر ذلك جليا من عظامه الناتئة وجلده الرقيق. وهناك أيضا من لا يعرف أبسط فكرة عن أهمية التعليم الذي يمارسه منذ سنوات.
ملخص الأسطورة: أصبح ثلاثي الفقر والمرض والجهل يفترس أطفالنا هناك.