8 مايو، 2024

” حلمٌ أبتر ” للشاعرة : سعاد الزامك

حلمٌ أبتر
****
نهضت الشمس من مضجعها، غسلت جدائلها في نبع تِبرها، فانفلتت فُرش الظلام من فوق جبينها. خرج “هيثم” ببذلته الأنيقة من قصره المنيف يصاحبه حارسه الخاص، اصطف عاملوه بثيابهم المنمقة لتقديم تحية الصباح لسيدهم كعادتهم، تقدم أحدهم بصينية ذهبية عليها كأس بلوري، تناول السيد العصير، ثم انصرف على عجل. مرق “هيثم” داخل سيارته الفارهة بعد أن فتح سائقها الباب مع انحناءة بسيطة، جلس بالمقعد الخلفي، استحث السائق على استباق ساعته للوصل إلى شركته مبكرا. تلقى عدة مكالمات هاتفية؛ أدار من خلالها بعض صفقاته بالبورصة، أعطى أوامر لتنفيذ إحدى مشروعاته الاستثمارية الضخمة. فتح حاسوبه المحمول، دق على مفاتيحه بمهارة تُباري أبرع العازفين بدار الأوبرا، صدحت شاشته بملفات متعددة؛ تتابعت لتحصد انجازاته العملية وأرباحه الكبيرة بالأسواق المالية العالمية.
مرقت نحو ناظريه غيامات ذكرى، تخرجه من كليته المرموقة ذات الترتيب الأعلى بكليات القمة حسب أبجديات مجتمعه، اخفاق مساعيه في نيل عمل يلائم درجته العلمية. لم يشفع تفوقه لدى أصحاب الأعمال دون وساطة كي يمنحوه عملا يحقق طموحاته، باعت أمه ما تيسر لها من أثاث لسد احتياجاتهما الضرورية؛ أنّتْ أحشاؤهما جوعا. عانقت أعالي السماء دعوات أمه، تداعى فؤادها من الحسرة، إدلهمت أيام كان يَعُدّها ستلبي آماله. أشفق أحدهم عليه لما وصل به الحال من فقم، ألحقه بالعمل لديه. عاد إلى أمه يزف البُشرى، برقت السعادة بعينيها، خُسف الحلم بنبضه، اجتهد بما أوتى من خبرة، ليمنح منقذه الولاء رداً لجميله.
استفاق “هيثم” على صوت فرملة تزمجر على الطريق، ارتجت تحت وطأتها مركبته، صرخات تعالت تدعوا للفرار من زحام الطريق، نظر من خلال النافذة شاهد مكان عمله المنشود. نزل من الحافلة تغمر مُحياه ابتسامة سخرية، سار في تلك الحارة الضيقة التي تخنقها الأتربة الناتجة عن حوافر خيل تجر سيارات خشبية متهالكة لنقل البضائع والأفراد. توجه إلى تلك الورشة الصغيرة القابعة بنهاية الحارة لإصلاح السيارات، وبدأ في إصلاح حدوة حصان عجوز كان بانتظار قدومه.