6 مايو، 2024

” كنز المملكة ” للقاصة : سعاد الزامك

أخرجت «دعاء» صندوقا بدا قديما رغم اهتمامها الشديد به، ثم خلعت قلادتها الأسيرة إلى قلبها ذات المفتاح العجيب. وضعت المفتاح في مزلاج الصندوق، ففُتح بابه على مصراعيه. تصفحت بعض الوريقات، ثم تنهدت، وشهقت شهقة كبيرة لم تتضح معالمها، أشهقة ندم أم تعجب؟ شاهد «وائل» على جُدر الصندوق نقوشا تشبه تماما النقش الذي رآه على مرآة غرفتها بالمستشفى وقت اختفائها الغامض منذ أعوام، فجحظت عيناه كتلميذ شقَّ عليه اختباره.
أحاطت الجدة فمها بيديها، وأطلقت صفيرا متقطعا بلحن ألفوا سماعه منذ رجوعها. ضغطت بسبابتها على مشكاة متمركزة بالصندوق، وأخرجت شمعة بنفس هيئتها، أشعلتها بزفير حار. تجسدت المشكاة، ودارت بسرعة حتى تضاعف حجمها، وصدر عنها بريق هائل، امتد أمامهم كشاشة عملاقة، راحت تقلب «دعاء» عليها مشاهد حكايتها.
عَوت أشباح الماضي المارقة من الصندوق، وترنحت الذكريات متمايلة يمنة ويسرة على ذاكرة تلك الوافدة من طيات غياب لم تنبئهم بأسبابه من قبل. أخرجت «دعاء» صورة بالية قبضت عليها بكلتا يديهاى المرتعشتين بعد أن انتزعتها من براثن الصندوق، استنشقت عبيرها، ثم قدمتها لـ «وائل» الجالس بجوارها. تطابقت ملامح الطفل بالصورة مع ملامح الزائر إلا من بعض متاهات شقّها حزن بادٍ بعينيه، وبعض من شُعيرات بيضاء لاحت على استحياء من ربيعه. شغف لاح بالمُقل، تساؤلات تتابعت من الحناجر، ودهشة من القادم الغريب يغلفها الحذر. جالت «دعاء» بنظرات الانصياع لفضولهم، ثم بدأت في منادمتهم بقصتها.