7 مايو، 2024

طيف عابر ” للشاعر : محمد كامل حامد _ مصر

محمد كامل

يتحير عقلي وأنا أقلب وأتأمل صفحات دونتها بمشاعري، تجارب حياتي وما عصف به الدهر، ليتني أجد بين بطلات رواياتي من تعلق قلبي بها، تجول عيناي بين الأوراق المتناثرة، أعانق الحروف بقلب منكسر، ألملم جراحا تعاقبت عليها سنوات من الشقاء، وتجرعت فيها مرارة خلف الأخرى؛ حتى سبقني العمر إلى محطته الأخيرة.
أتأمل بلوعة صورة الفتاة التي لازمت كتاباتي، ينطق لسانها بكلمات لم أعهدها من قبل، اعتدت أن ألمح العناد في ملامح وجهها، ولكنها اليوم تتبدل، تداري خلف عنادها شوقا ولهفة، تسيل دموع الندم من عينيها، أحيطها بين ذراعيّ، أبث إليها شوقي، يفيض لها لساني بمكنون قلبي، حديثها معي عذبًا رقراقًا، ولكنها في الوقت ذاته الذي ظننت فيه أنني امتلكتها، تنأى هروبًا من دائرتي المغلقة.
ألهث خلفها ولكنني لم ألحقها، تطل أخرى لم ألتفت إليها أبدًا، تناديني بعبارات الغرام المشتعلة، تروقني نظراتها، انطلق باحثًا في الصفحات عنها، استدعيها بخيالي، تتمثل أمامي في هيئة البدر في ليلة اكتماله، أعلن لها أنني تخليت عن حياتي، ولم يتبقى لي إلا صورًا مبعثرة وغير مكتملة، يعجز عقلي تماما عن الارتباط بالواقع الذي فررت منه، سنوات متتالية لم أبحث فيها عن شريكة لعمري، انفلتت الأيام سريعًا؛ حتى بت لا أملك سوى حكاياتي.
ولكنها فجأة تقتحم السكون، برفقتها صبيان يشبهانها إلى حد بعيد، ويحملان بعضًا من ملامحي، تلقي بنفسها بين أحضاني، يتعلق أبنائها بطرف ثوبي، يثمل عقلي بحديثها الناعم، توجه لي عبارات اللوم، تركتها تعاني وحيدة، لم ألتفت إليها رغم ما كان بيننا من حكايات مؤجلة لم تحكى بعد.
لا أعلم من أين أتت، وعن أي حكايات تتحدث؛ فجميعها نسجها عقلي ودونها قلمي، غرقت في عالمي، تقابلنا هناك حيث لا أحد، ولكنني عدت بدونها.
وكما ظهرت لي فجأة، تلاشى طيفها دون أن أكمل معها ما بدأت، فقدت صوابي واهتزت رؤيتي، أخذت أمزق ما دونته من أوراق لم تر النور بعد، وأمحو من ذاكرتي تلك الصور.