19 مايو، 2024

صحر أنور تكتب : رحلة نضال من “هدى شعراوي”.. إلى “رضوى حلمى

سحر انور

في 16 مارس من كل عام تحتفل مصر بيوم المرأة المصرية ، الذي وإن كان يبدو للبعض أنه مجرد إحتفال عادي للمرأة تمرعلينا ذكراه منذ أكثر من 100 عام، إلا أنه في الحقيقة يأتي تخليداً لذكرى ثورة المرأة المصرية والذي كان بداية مرحلة جديدة في حياة المرأة المصرية، حيث يعود هذا التاريخ إلى 16 مارس 1919 منذ بدأ تاريخ الكفاح والنضال النسوي في مصر.

وكانت البداية حينما جاءت دعوة الحقوقية هدى شعراوي في ذلك اليوم إلى مظاهرة نسائية ضد الإحتلال الانجليزي والتي إستجابت لها وشاركت فيها أكثر من 300 سيدة مصرية، وراحت هذه المظاهرات تجوب شوارع القاهرة إحتجاجاً ورفضاً للإحتلال البريطاني وطلباً للإستقلال، رافعات أعلام الهلال والصليب ضد الإحتلال الغاشم وجنوده الغاصبين، والذين ما كان منهم إلا أن أطلقوا نيرانهم في وجه قوة النساء المصريات مما أسفر عن سقوط مجموعة من الشهيدات المصريات ليصبحن “شهيدات الوطن”، واللاتي سالت دمائهن الذكية على أرض مصر ليس فقط لتكتب فصلاً جديداً في تاريخ مصر بل لتؤرخ بداية عصر جديد لكفاح ونضال المرأة المصرية، ومنذ ذلك اليوم تحول النضال إلى جزء من رسالة المصريات للدفاع عن حقوقهن وحقوق بلادهن.

ومن أبرز من سطر التاريخ أسماءهن من شهيدات الوطن في هذه المظاهرات ” حميدة جليل” والتي لقبت بأول شهيدة مصرية بعدما قتلها رصاص الإحتلال البريطاني والتي ألهبت مشاعر باقي النساء رؤيتها وهي تسقط من بينهن وزادت من إصرارهن على مواصلة الكفاح والنضال، ويتم توالي سقوط الشهيدات واحدة تلو الأخرى ومنهن ” نعيمة عبد الحميد ” ، ” فاطمة محمود “، ” نعمات محمد “، ” يمنى صبيح “. وقد أثمرهذا الكفاح والنضال النسوي في مصر عن العديد من المكتسبات التي حازتها المرأة بعد ذلك ومنها:
– تأسيس أول اتحاد نسائي في مصر: في 16 مارس 1923، دعت هدى شعراوي إلى تأسيس أول اتحاد نسائي في مصر، بهدف حصول المرأة على حقوقها السياسية والاجتماعية والمساواة مع الرجل، ليس ذلك وحسب، بل ودعت إلى ضرورة حصول الفتيات على حق التعليم العام في جميع مراحله وصولا للجامعي وإصلاح القوانين فيما يتعلق بالزواج. بل وناشدت أساتذة القانون والسياسيين دعمها في مطالب تغيير القوانين المصرية في الزواج والتعليم وممارسة الحقوق السياسية .ورغم صعوبة الوضع واعتبار البعض أن مطالب هدى شعراوي مستحيلة التحقق بدأت بعض قطرات الأمل في التساقط، إذ سجل عدد من المناضلات تفوقا في مجالات الريادة ليؤكدن أحقيتهن في التعليم والعمل العام.

– أول محامية مصرية وعربية: في عام 1924 حصلت أول فتاة مصرية على شهادة ليسانس الحقوق، وسُجل اسم منيرة ثابت في جدول المحامين أمام المحاكم المختلطة عام 1924، باعتبارها أول محامية مصرية وعربية.
– كما سجل التاريخ في دفاتره 16 مارس 1928 باعتباره يوما مجيدا بعد التحاق فتيات بجامعة القاهرة في سابقة تدعو للفخر وقتها.
– أول مصرية تمارس مهنة الطب: تفوقت هيلانة سيداروس في مجال الطب، لتصبح أول طبيبة وعالمة مصرية تمارس الطب .

– حصول المرأة المصرية على حق الانتخاب والترشيح: .في 16 مارس عام 1956 حصلت المرأة المصرية على حق الانتخاب والترشيح، وأصبحت عضواً برلمانيا بعدما سمح دستور1956 لها بالترشيح، وقد استطاعت كلً من أمينة شكري، وراوية عطية، من النجاح في الانضمام لعضوية البرلمان المصري ليصبحا بذلك أول إمرأتان تنضمان للبرلمان، وأول من فتحا هذا الباب لإنضمام العشرات بل المئات بعد ذلك. وإن كان حصول المرأة المصرية على حقوقها في الحياة السياسية قد تأخر حتى عام 1956. إذ أن السلطات المصرية لم تسمح للمرأة بممارسة حقوقها السياسية كحق الانتخاب أو الترشح منذ عام 1923 وحتى أقر الدستور ذلك عام 1956، ليعد هذا الانتصار هو الأول الذي يتحقق للمرأة سياسياً وفقاً للقانون المصري .
واليوم في 5 مارس 2022 وبعد أكثر من 103 عام، وإمتداداً لمسيرة الكفاح والنضال لتحقيق المزيد من الأهداف والحصول على المزيد من المكتسبات، هاهي المرأة المصرية اليوم تحقق أحد أهم إنتصاراتها في الحصول على حقوقها، حيث جلست اليوم أول قاضية مصرية على منصة القضاء القاضية رضوى حلمي أحمد، على منصة المحكمة الإدارية لأول مرة في تاريخها بعد 75عاما وبعد أن كان يقتصر ذلك على القضاة الرجال.

ويأتي جلوس أول قاضية على منصة مجلس الدولة المصري، الذي أسس عام 1946 على غرار مجلس الدولة الفرنسي، تنفيذاً للقرار الذي أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي في أكتوبرالماضي بتعيين 98 قاضية في مجلس الدولة، وإن كانت ما زالت المرأة المصرية غائبة عن منصات القضاء المدني والجنائي رغم أنها تكافح منذ عقود طويلة لتحقيق ذلك.

يأتي هذا النجاح بعد أن ظلت المرأة المصرية لعقود طويلة تطالب بتولّي المناصب القضائية، وعلى الرغم من عدم نص القانون على حظر تعيين المرأة، فلم يتم السماح سابقاً بتعيين أي امرأة في النيابة العامة، منذ تسمية أول نائب عام في مصر عام 1881، كما رفض القضاء الإداري تعيين السيدات، على الرغم من الدعاوى القضائية التي رفعنها، في محاولة للتقدم لوظائف قضائية في مجلس الدولة، أشهرهن عائشة راتب التي شغلت لاحقاً منصب وزيرة الشؤون الاجتماعية، وكانت أول سفيرة في تاريخ مصر، والتي تقدّمت بدعوى قضائية لتمكينها من التعيين كقاضية في مجلس الدولة، لكنها رُفضت عام 1952.

وقد كانت القاضية المصرية الوحيدة هي السيدة تهاني الجبالي والتي عُيّنت عام 2003 في المحكمة الدستورية، وظلت في هذا المنصب قرابة 10 أعوام قبل أن تُقال عقب تولّي الرئيس الأسبق محمد مرسي السلطة في منتصف 2012. ومنذ ذلك الحين، لم تجلس أي قاضية مصرية على منصة القضاء. ولذا يُعدّ وضع المرأة أفضل حالياً في هيئات قضائية أخرى، إذ “هناك 1980 قاضية في النيابة الإدارية بنسبة 43 في المئة من أعضاء الهيئة، و670 سيدة في هيئة قضايا الدولة بنسبة 20 في المئة من أعضائها”، بحسب إحصاء لوسائل إعلام مصرية.

التحية كل التحية إلى روح كل المناضلات المصريات اللاتي رحلن عن عالمنا بعد أن سطرن بأسمائهن تاريخاً عظيماً لسيدات مصر العظيمات، المناضلة الحقوقية السيدة هدى شعراوي، أستاذة القانون المصرية الراحلة السيدة عائشة راتب ، التي ناضلت لوصول المرأة المصرية لمنصة القضاء منذ خمسينيات القرن الماضي. وإلى القاضية الراحلة السيدة تهاني الجبالي وإلى روح كل مناضلة كان لها دور فعالّ في تحقيق هذه الأهداف.