26 أبريل، 2024

” أين أمي ” للشاعرة : رقية رباطة _ سوريا

كرتون

ارشيف

كان عائدًا من كتيبته، و الجو زمهرير يجعل عظام المرء تتيبس فلا يقوى على حركة ، لكنه رغم ذلك كان يهرول هرولة،
فأمه تنتظره في المنزل و شوقه مشرئب تواق لرؤيتها.
خمسة أعوام مرت على آخر مرة كحل ناظريه بها و زمل قلبه بدفء حضنها ، لكنها ما غابت أبدًا عنه فهي دائمة الحضور في قلبه و وجدانه.
الساعة الثانية عشرة من منتصف الليل؛ لقد وصل أخيرًا، لكنه شعر بانقباضة في قلبه.
أضواء المنزل مطفأة، و الكوخ بدا كجذع شجرة متيبس..
و لشعور داخلي غريب راوده صار يمشي وئيد الخطا..
فتح الباب و صرخ بصوته المرتجف أمي أنا أمجد لقد عدت يا أمي..
لكن ما مجيب سوى صوت الرياح المزمجرة.
تفقد المنزل فلم يجد به حتى ظل أمه..
علم بأن ملك الموت مر من هنا في غيابه ،فجثا على ركبتيه و بكى بحرقة،
ثم قال في نفسه: لا هذا لا يمكن فأمي لم ترني منذ مدة طويلة.
ثم استجمع نفسه و طرق باب الجيران..
ففتحت جارتهم و صدمت برؤيته بعد هذا الغياب..
و بصوت مبحوح قالت: أمجد!
و اغرورقت عيناها بالدموع لما سألها: أين أمي؟
فاحتضنته و قالت له رحمها الله، حتى في آخر أنفاسها همست باسمك و دعت بعودتك سالمًا.
عاد أمجد إلى البيت مكسور القلب، فتح خزانة أمه، توشح بوشاحها..
و نام باكيًا محتضنًا صورتها و هو يتمتم: أنت لم تموتي يا أمي،
فالأمهات في قلوب أولادهن يحيون للأبد.