15 أكتوبر، 2024

“الفن زمان والآن”

عيوطى

عيوطى

بقلم الكاتب : محمد العيوطى

يقولون إذا أردت أن تعرف شعبًا شاهد محتواه الفنى واستمع الى أغانيه ؛ بهذه الجملة لابد ان تتوقف كثيرا امام الفن فى مختلف مراحله وتستقى القيم والقدوة التى كان عليها اهل من يتلقوا الفنون فى كل عصر وزمان وصوب وحدب. وانطلاقا من ان مايعرض على الشاشة هو انعكاس لثقافة شعب وتوصيف مرحلتهم الحياتية ؛ من هذا المنطلق

وجدت نفسى فى وضعية قلقة اقارن فيها بين اعتذار السيدة فاتن حمامة للمخرج فى فيلم الخيط الرفيع عن اخر كلمة فى حوارها مع المميز محمود ياسين وهى تعنفه على سلوكه معها ومحاولة تبرأه منها بعدما اكتمل وضعه وعلا نجمه فتقول له فى الهاتف خاتمة حوارها معه (ياابن الكلب)

ورغم تصفيق كل من كانوا فى البلاتوه لعفوية خاتمة حوار سيدة الشاشة وصدقه الا انها تطلب من المخرج ان تعيد المشهد وتحذف منه ما وصفته بأنها شتيمه لاينبغى ان تصدر منها ويسمعها المشاهد الذى يجب ان يسمع الفاظا راقية ،

حوار طويل بين فاتن ومخرج رائعة احسان عبد القدوس الخيط الرفيع ينتهى باصرار المخرج على بقاء المشهد كما هو رغم خجل الفاتنة فاتن حمامة ومثولها فى نهاية الامر لقرار المخرج واعرابها فى كل حين ومين عن تأسفها لمشاهديها وطالبة منهم العفو . هذا الموقف وهذا السلوك هو انعكاس لمرحلة تاريخية عاشتها مصر شعبا وفنا واعلاما كان المواطن راقى فى اختياراته

والفنان حريص على ان يقدم لمشاهده كل ماهو متناسب مع درجة الرقى والاخلاق الرفيعة فجاءت الاعمال الفنية صروحا من الاخلاقيات التى يعيشها المجتمع حينذاك ؛ حتى عندما كانت تعرض النماذج السيئة كانت محاطة برفض مجتمعى ومنبوذة وقليلة ومسيرها للزوال ،

موقف فاتن حمامة من تلفظها بابن الكلب وخجلها منه يجعلك تقف حائرا بين نفس اللفظ الذى اطلقته الجميلة منى زكى فى مسلسلها الرائع لعبة نيوتن وهى تشتم زوجها تليفونيا بعد علمها باتهامه اياها بالزنا فترد وتقول له : انا زانيه ، ده احنا ملحقينه سوا ؛؛ يا إبن الكلب ..كلمات منى استبقها زوجها فى رسالته الصوتيه بوصف زوجته بالوسخه . وبين ابن الكلب والوسخه يطل عليك العبقرى زكى رستم وهو يوجه حديثه الى فاتن حمامه فى واحد من اعظم الافلام عندما علم انها على علاقة بسابق عصره وزمنه عمر الشريف ، قال لها وهو يصف  الزنا ولكنه لايقولها صراحة : اللى زيك كانوا زمان بيرجموهم لحد الموت..

هل تتخيل نظافة الحوار ورقيه لتصل لهذه الدرجة من الرقى والعبقرية . نحن امام نفس الشعب فى نفس الوطن العزيز ولكننا فى حقبة انفرط فيها عقد الاحترام الفنى الذى انساق هو الاخر للانهيار الاخلاقى واصبح هدفه التربح وجر المشاهد الى المزيد من التدنى والانحدار ، لم تعد هناك فاتن حمامة تخجل من خدش حياء جمهورها ؛

كما انه لم يصبح هناك هذا الجمهور بنفس رقى جمهور فاتن القديم الذى يرفض كل ماهو خطأ وخارج عن تقاليده وعاداته . بين حمامة وزكى هناك الف فجوة وفجوة وتساؤلات واستفسارات وآهات يطلقها شرفاء الوطن الباحثين عن كل ماهو قيم وقدير فى بلد الحضارة والرباط الى يوم الدين .