ووضعت السينما أذنها على الإذاعة، فتم تقديم عدد من المسلسلات فى أفلام ناجحة، وهنا يبرز اسم سمير عبد العظيم الذى قدم مسلسل رمضان فى إذاعة الشرق الأوسط لمدة 12 سنة متوالية، وقدم عددا من المسلسلات اللامعة التى تحولت إلى أفلام لكبار النجوم، منها مسلسل (أفواه وأرانب) الذى كتبه وأخرجه سمير عبدالعظيم، وتحول بعد ذلك إلى فيلم معروف لمحمود ياسين وفاتن حمامة. وأذيع عبر إذاعة الشرق الأوسط عام 1976 ليحقق نجاحا كبيرا يتحول فى العام التالى إلى فيلم سينمائى من إخراج بركات عام 1977، ثم يقدمه التليفزيون فى مسلسل بعد عام جديد 1978 بطولة عفاف شعيب وصلاح ذوالفقار. وقدم سمير عبدالعظيم أيضا مسلسلات أخرى مثل: «على باب الوزير» الذى تحوّل إلى فيلم بنفس أبطاله عادل إمام ويسرا وسعيد صالح، و«لست شيطانا ولا ملاكا» الذى تحول إلى فيلم بنفس الاسم من بطولة سهير رمزى ونور الشريف، وحلقات «الشك يا حبيبى» التى قامت ببطولتها شادية.
وكان لكبار الكتاب والمفكرين تواجد فى المسلسل الرمضانى، ففى عام 1985 قدمت الإذاعة مسلسل (رصاصة فى القلب) للكاتب الكبير توفيق الحكيم وإعداد الكاتب الكبير أحمد بهجت من بطولة أحمد زكى ونيللى وأخرجه يوسف حجازى.
وقدم وحيد حامد عددا من المسلسلات الإذاعية التى ظهرت بعد ذلك على شاشة السينما، مثل: الإنسان يعيش مرة واحدة لعادل إمام ومن إخراج مصطفى أبوحطب، والدنيا على جناح يمامة الذى ظهر فى الإذاعة الرمضانية عام 1987 لمحمود عبد العزيز ونجلاء فتحى وإخراج يوسف حجازى قبل ظهوره فى السينما 1989 لمحمود عبد العزيز ومرفت أمين من إخراج عاطف الطيب، وظلت بعض مسلسلات وحيد حامد الرمضانية علامات مهمة فى ذاكرة الإذاعة مثل: طائر الليل الحزين وكل هذا الحب وبلد المحبوب وبنت مين فى مصر.
وفى مكان بارز فى محمية التراث الرمضانى الإذاعى تقف كما الدرة حلقات (ألف ليلة وليلة) التى كتبها الشاعر الكبير طاهر أبو فاشا وأخرجها محمد محمود شعبان، وقدمت فى الإذاعة لمدة 26 موسما متتاليا، وقد قامت الفنانة زوزو نبيل بدور شهرزاد وعبد الرحيم الزرقانى بدور شهريار. وقد قدمت الحلقات مع مطلع الخمسينيات من القرن الماضى حتى وصل عدد الحلقات إلى 820 حلقة كتب منها أبو فاشا نحو 700 حلقة وأكمل الكاتبان عباس الأسوانى وفراج إسماعيل الكتابة من بعده.
أما المسلسل الرمضانى الكوميدى فالغريب أن بدايته كانت سياسية، فبعد نكسة 1967 طلب جمال عبدالناصر من رئيس الإذاعة أن يقدم للناس مسلسلات كوميدية تخرجهم من حالة الحزن العام التى سيطرت عليهم. ووقع الاختيار على مسلسل (شنبو فى المصيدة) الذى كتبه الكاتب الساخر أحمد رجب. وطلب عبدالناصر من رئيس الإذاعة أن يقدمها فؤاد المهندس وشويكار، ونجح المسلسل نجاحًا كبيرًا من إخراج يوسف حجازى. وتبعه الثنائى الشهير بمسلسل تعدى عمره خمسين سنة وهو من الأعمال الخالدة أيضا (انت اللى قتلت ببايا)، واستمرت سيطرة فؤاد المهندس وشويكار على مسلسل البرنامج العام منذ الستينيات حتى حدوث مشكلة مسلسل (سها هانم رقصت على السلالم) الذى تم إيقافه بعد إذاعة عشر حلقات فقط بدعوى الإسفاف كان ذلك فى رمضان عام 1977
وتعد ثنائية فؤاد حداد- سيد مكاوى من أبرز المواد الرمضانية فى الثلاثين عاما الأخيرة من القرن العشرين، فقد ارتبط المستمعون بصوت مكاوى وطبلته قرب الفجر: «اصحى يا نايم وحد الدايم، وقول نويت بكره إن حييت الشهر صايم، والفجر قايم، اصحى يا نايم وحد الرزاق، رمضان كريم»
وهناك برنامج درامى محفور فى ذاكرة الأجيال لا يمكن نسيانه وهو حلقات درامية تاريخية ودينية عن الأنبياء مثل نوح ولوط ويوسف وغيرهم وهو برنامج أحسن القصص والذى كان يكتبه كاتب قدير، وكنا نسمع هذه الحلقات وكأننا نرى مشاهد القصة بكل تفاصيلها الدقيقة بل وكانت تطلق الخيال المجنح ونحن نتخيل المشهد وصور أبطال وشخصيات العمل ومحمد على ماهر، ويعد محمد على ماهر أحد أبرز رواد الدراما الدينية الإذاعية المستلهمة من القصص القرآنى والتاريخ الإسلامى، وقصص الأنبياء، ولذلك أيضًا لقب بـ«مايسترو الدراما»، ووصل رصيده الإذاعى إلى 1500 ساعة، قبل أن يرحل عن عالمنا فى 20 ديسمبر 1989.
وكان برنامجه الرمضانى «من أحسن القصص» قد بدأت إذاعته فى 1956، وقدم من خلاله حلقات بعنوان «قصة الخلق» تناول فيها قصة آدم «أبوالبشر» والأنبياء نوح وإبراهيم وإدريس ويوسف ولوط، ومن أعماله الأخرى سيرة ابن هشام فى خمسة أجزاء، وأمة القرآن، ورجال حول الرسول، وإحياء علوم الدين.
وبدأ بعدها رحلة تجوال بين بلدان العالم العربى، ومنها لبنان والمغرب، واستقر طويلاً فى ليبيا بدعم من الرئيس الليبى الراحل معمر القذافى، وأنجز خلالها عمله الشهير «ملحمة الوجود العربى»، فى أجزاء كما راجع ماهر ودقق الكثير من الأفلام التى تتعلق بالتاريخ الإسلامى، وكتب حوار عدة أفلام عالمية، منها فيلم «الرسالة» إخراج مصطفى العقاد (النسخة العربية).
وكان قد شارك بالكتابة فى جريدة الجمهورية التى شارك فى تأسيسها وكان له باب ثابت بعنوان «قبلى وبحرى» كما كان له دور فى تأسيس إذاعة صوت العرب وقدم لها لاحقاً مسلسل «جنة ونار» الذى كان يقدم له بصوته الشيخ محمود شلتوت إمام الجامع الأزهر، الذى قال عنه: «لو كنت أملك أن أمنح الدكتوراة لمنحتها لمحمد على ماهر عن مسلسل أحسن القصص».
ومع نشأة التليفزيون المصرى فى أوائل الستينيات ساهم «ماهر» بأول عمل درامى غنائى بعنوان «فى نور الأسماء الحسنى»، إخراج عاطف الجعار، ثم عبدالحميد عبدالفتاح.
ونهاية فإن الدور الكبير الثقافى والدينى والترفيهى المسؤول للإذاعة المصرية خاصة فى شهر رمضان المبارك قام بعمل عظيم فى خلق كنز من الذكريات المتنوعة التى تمثل ذلك اللقاح الفعال لمقاومة فيروسات الثقافة الفتاكة الحالية.
More Stories
إسماعيل عبد السلام يكتب عالم صغير
المستشار على سالم يكتب طبيعة الحياة
اللواء محمد محفوظ يكتب التاريخ والماضي