5 مايو، 2024

قلبي ليس منجماً للفحم! ” للشاعر : بسام المسعودي

بسام المسعودي

إدخرت الكثير من الرصاص
ولأني لا أملك مسدس
حشوتها داخل رأسي
وكلما أردتُ إصابة أحد في مقتل
أصوب عليه أصابعي
وأکتب له رسالة قاتلة
وأنسىٰ أنني أحببته،فقلبي دُونّما نبض،
فالحب يتطلب نوعاً
مختلفاً من العذاب.

جميعهم يتدفقون
نحو مساكن الليل،كأن الأرض بدون فرح،
الأطفال في مهدهم
مثقلين بالفطام،
كبار السن شاحبين كأوراق التبغ البالغة،
النساء يلبسن
دخان التآوهات،
يشبهن قرى لم تر المطر،
ويغرس الرجال أجسادهم
في سم الظلام
يخيطون من الليل لباس الهم
والذهاب نحو
الصباحات اليابسة.

وأنا أجرُ نفسي لمنازل الليل
مرغماً،
معطفي عقيدة الماء
وسادتي بعضٌ من أرق نبيل،
تدثرني ملاءات العطش
وجسدي مزبد باشتهاءات الغرق
في نوم بلا انقضاء.

أما المجانين
فإنهم يسكنون شوارع التلف ويتبولون عند غبش الفجر
وقبل الظهيرة
وبعد المساء يجلسون القرفصاء
على الأرصفة
يجمعون العلب الكرتونية
ينتظرون من يجرع كؤوسهم
ريق الدفء
أو يرمي لهم بأعقاب السجائر.

جميعهم ينقعون أرواحهم
داخل أوعية النحيب،
لوجوههم المنسية أفواه ناطقة باسم البكاء ويمسحون دموعهم بمناديل العقاب،
من كثرتي
صرتُ أنسى كم مني
يجوبون الشوارع بظنون العودة كاملاً
إلى زوايا غرفة بلا نوافذ.

أود أن أعود متدفقاً مثل الجميع
أسير إلى حيث يسيرون،
أمضي
وأعرف ما أريد
أن أصل لخاتمة السير وأنا راضٍ عن الوصول
أُمازح سخف العتمة
بأرق سافر،
وأرتدي البرد كنزة
وسادتي كتف أبي
أتذكّر الذين
كانوا يأتون في المناسبات السعيدة
يتذوقون أطباق الحلوى فقط،
لم يعد يأتي منهم أحد
ليقتسم رغيف الحزن معي.

لِمَ كلهم يحملون عدة التنقيب؟
هذا قلبي وليس منجماً للفحم!
لا يدركون
أن الحزن الذي نما
في عمق الروح
كلفني يوماً ما الإنتحار بقصيدة،
لا يعلمون أنّني لا أحتاجُ
الذهاب إلى الأخرة لرؤية الله،
فقلبي يبصره!!.

حين أمد يدي للنافذة رُبّما يصلون،
تعود
بتلويحات
الموتى
والقليل من رسائلهم الفارغة،
منذ سنوات ونافذتي مرفأ للإنتظار
لا أحد يصلها
عدا عصافير العابرات زقاق الدار
يرمين بزقزقة قلوبهن
ويعدن يوماً آخر
علَّ قلبي قد ترك فتات النبض.

أسمو كالهواء
وحين أراهم يخمشون
وجوهوهم بأظافر قصيدتي
أسبل كتفيَّ
كدمعتيْ يتيم
وأنا كالطامة،كالرياح الصاعدة
غباري ممسوس لحشودي الغفيرة،
في عمقي ريح مُعَبدة
لا تتسع لجحافل الحنين.

يا الله
علمني كيف أكتب الشعر
علمني أن أكون وفياً لقوافي أمي
ماتت وهي توصي الحقل أن يصير بين أصابعي قصائد قمح.

يا الله
لا تجعلني كالذي مر على فجرالبلاد ولم يجد إلا غبش القارعة،
امسح الخوف عني
فخوفي القابع تحت إبط الروح
شجاع بي،
جريء يطرز
ملامحي الجافة
خوفي
كثير يملأ مسامات
جسدي البارز كظل شجاع
خوفي
بقايا طفل يكبر
وملامح نور
أصابته طلقة عتمة.