انطفاء
قصة قصيرة
تجلس أمام التلفاز بقلقٍ وتوترٍ واضحين.
تعاود النظر لساعة يدها بين الفينة والأخرى، ثم تنهض وتمشي جيئةً وذهابًا في صالة المنزل الصغيرة.
القلق والغضب يأكلان قلبها كما تأكل جذوة النار الحطب.
تعود للجلوس أمام التلفاز ومشاهدة مسلسلها المفضل في محاولةٍ منها لتقطيع الوقت، والتلهي أو الهروب من تلك الأفكار السوداء التي تملأ رأسها كلما خرج من البيت، وأغلق هاتفه.
تفتح شاشة هاتفها، وتنظر إلى الرسائل التي أرسلتها له منذ أربع ساعات، فينقبض قلبها مجددًا، عندما ترى أنه لم يفتحها بعد .
تتساءل :
– ماذا حصل له، هل أصيب بمكروه، لقد خرج من المنزل وهو متوعكٌ بعض الشيء.
هل وقع عليه حادثٌ مروري؟! هو يحب استعمال الهاتف المحمول طوال الوقت، وكم نصحته عن ذلك دون أن يستجيب لنصائحي، أم أنها لعبةٌ من ألاعيب الرجال التي لاتنتهي فيتظاهر بالمرض أو الانشغال، في حين أنه مع أخرى؟!
بمجرد أن وصلت بها أفكارها المزعجة إلى هذه النقطة شعرت بارتجافٍ شديدٍ في قلبها.
تهز رأسها راغبةً في أن تتساقط أفكارها المرعبة هذه كما تتساقط أوراق الشجر اليابس، ثم تطلق تنهيدةً طويلةً وتنهض لتنظر من النافذة ومن خلف الستائر البيضاء التي تغطيها، لعلَّ عينيها تكتحلان برؤيته آتيًا في سيارته من المنعطف الموجود في أول الشارع والكائن أمامها مباشرةً.
لكن يخيب أملها حين لم ترَ سيارته.
تجلس مثقلةً بخيبة الأمل والأفكار السوداء اللعينة تنهش رأسها .
تعود بها ذاكرتها إلى أيام التعارف وفترة الخطوبة.
تطلق ضحكةً صغيرةً مملوءةً بالسخرية منه ومن نفسها، وهي تتذكر كم كان كثير الإرسال لها، والسؤال عنها، إلى حدٍ يقارب الإزعاج.
لم يكن يحتمل أن تمضي نصف ساعة دون أن يغرق هاتفها بعشرات الرسائل التي تعبر عن حبه ولهفته واشتياقه لها وخوفه عليها.
وكم كان ينزعج ويقلق في حال تأخرت لدقائق في الرد عليه، وكيف أنه يظل قلقًا ويكرر الاتصال بلا توقفٍ حتى ترد عليه.
تأخذ نفسًا عميقًا تتبعه بزفيرٍ طويلٍ يعبر عن مدى حزنها وانكسار قلبها لتغير معاملته لها.
يبدو لها الأمر كسقوط نجمٍ من السماء، كان منطلقًا بسرعةٍ كبيرةٍ وملتهبًا جدًا، ثم يبدأ في الانطفاء والتلاشي شيئًا فشيئًا كلما طالت المسافة، وأوشك على ملامسة الأرض، حتى لايظل منه إلا بقاياه المحترقة.
تتساءل بخيبةٍ وأسى :
– لماذا تكون البدايات رائعةً، مشتعلةً، حالمةً، ثم تنطفئ لتنطفئ معها لهفة القلب والروح وجمال العلاقة؟!
– أما من سبيلٍ لإبقاء جذوة الحب مشتعلةً لآخر العمر؟
– ولمَ تموت اللهفة وينته الشوق كلما ضمن الشخص بقاء من يحب في حياته؟ أو اعتاد وجوده.
ماهي إلا دقائق حتى سمعته وهو يدخل المفتاح في قفل باب الشقة.
جلست على الكنبة متظاهرةً بعدم المبالاة به.
حين دخل ألقى عليها السلام، لكنها تظاهرت بالتركيز في مشاهدة المسلسل التركي الذي تحبه، وبعدم سماعه، كرر التحية بصوتٍ عالٍ مما اضطرها للرد عليه؛ لكن ببرود.
نظر إليها بسخريةٍ وهي ترى البطل يركع أمام حبيبته ويطلب يدها للزواج.
اتجه إلى غرفة النوم وأغلق الباب خلفه بشدة، انهمرت دموعها في تلك اللحظة التي انهمرت فيها دموع البطلة فرحًا بخطبتها من حبيبها في الحلقة الأخيرة من المسلسل.
More Stories
لا يهُم التجاعيد المُبكرة ” رباعيات للشاعرة : مريم أحمد _ مصر
ياللى سرقتوا الورد ” خواطر الشاعرة : رضا عبد الوهاب _ مصر
طفلة عشقها الحروف ” للشاعرة : هويدا محمد الحسن _ مصر