16 مايو، 2024

” رسائل تحت الماء ” للشاعرة : نعيمة المديوني _ تونس

نعيمة

نعيمة

للمساء حكايات جميلة.. يلتقي فيها مع العشّاق رفقة النّجوم التي ارسلت سبائكها الذّهبيّة تنير غربة القلوب الخافقة.. يتجرّد من الأرق ويقبل على مصافحة أفئدة غمرها الحبّ.. ينشر جناحيه فينتشر الدّفء وتسيل الحروف معانقة الوجد.. تتجلّى في أبهى حلّة.. تزدان بلغة القلوب وصرخة الأفئدة.. تتلذّذ بعبارات الشّوق وتنحدر دموع الوجد.. فتخفق القلوب الهائمة في دروب الغرام وتصطدم بالغياب.. في تلك اللحظة الفاصلة بين الموت والحياة يداعب الليل هذا ويسأل عن أحوال ذاك.. يطيّب خاطر المشتاقين ويعد الحالمين بتحقيق أحلامهم.. يعدّ قهوة شذيّة ويسكنها فناجين الصّبر.. فالصّبر خير رفيق للمتحابّين.. يواسيهم ويداعب أمانيهم.. يقرّب منهم الحبيب ويرسمه في أبهى صورة.. ترى هذا العاشق يتأبّط السّعادة.. يسيران حيث الحبيب المتلهّف.. يشعر الحبيب بالغيرة تعتصر فؤاده وهو يرى حبيبه استبدل حضنه بحضن السّعادة.. يخاف ان تستوليَ على وجدانه وتغنمَ بقلبه.. وغير بعيد عن هنا ترى الشّوق يغتسل بماء الغرام.. يسكبه على جسمه متلذّذا.. ينتشي بعذوبته.. يركض إلى ديار أرهقها الإنتظار.. يلقي بنفسه في أحضانها متلهّفا.. تنصهر في لهفته وتغدق عليه بفيض حنانها.. يتبادلان القبل.. ينصهر فيها وتنصهر فيه.. يغدوان واحدا لا ثالث لهما.. ينسيان الزّمان ويغادران المكان.. ينتقلان عبر عوالم ساحرة انعدمت فيها الوجوه واضمحلّت منها الأصوات.. وهناك على بساط أخضر جميل يجلس الهيام باسطا جناحيْه لقلب هفا إليه.. صاغ له من الحبّ قصائد ومن الوله رسائل نشرها عبر المدى معطّرة بآهاته.. متجمّلة بخفقاته.. ينتظر منه ابتسامة.. موعدا.. فلا ينال إلّا مرارة الإنتظار.. تنتابه خيبة ويقشعرّ جسمه ويسكنه السّقم.. وكم عاشق ما نال غير التّرحال في حبّه.. يتقلّب على فراش الموت مرّة وعلى مرارة القهر أخرى.. فتراه هزيل الأحلام ضنين الآمال.. هكذا المحبّين في عالم سكنه الشّجن وكبّلته المحن.. ماجنوْا من وراء قلوبهم غير الخيبة والشّجن.. حكمت عواطفهم شحّ العطاء ولهفة الإستغلال.. مابين نهرين عقيمين ماتت أحلامهم وتجرّدت أغصانها.. بين شروق مواقع التّواصل الإجتماعي وغروب الأفئدة الشّحيحة تأرجحت أحلامهم بين الصّبر والإنتظار.. تبعثرت أمانيهم بين الوعود الزرقاء وكوابيس الشّقاء.. نفاق.. رياء.. وعود جوفاء.. استغلال لفيض العطاء.. تهديد ووعيد بكشف المستور.. فلم يبق للمحبّين في عصر التكنولوجيا الحديثة إلّا اعتزال الغرام وبيْع أحلامهم في سوق الزّمان عساهم ينعمون بالهدوء قبل رحيل القافلة إلى صحراء قاحلة لا طير فيها ينقل رسائلهم تحت جناح الظّلام..