6 نوفمبر، 2024

سلم ورق” للقاصة : منى محمد القطب _ مصر

سلم ورق

اكتشفت أمي وجودها في الصباح، دخولها البيت بدون علمها كارثة. فما بال وجودها ليلة كاملة ، دون أن تشعر بها . كنت عائد في وقت متأخر من الليل ، بعد سهرة طالت مع خطيبتي وأهلها في السينما.

أوقفت سيارتي ، لأبحث عن مكان أفك فيه بولي . رأيتها ممددة علي الأرض، أكملت خطواتي ، ولم أبالي بها. لكنني توقفت ،فلم يعد لي رغبة بالمشي ، حين سمعت أنينا خافتا عاجزا عن نطق آهات وجعها.

نظرت اليها، انتفاضة جسدها الهزيل أصابت قلبي برعشة. تلعثم لساني فوضعها الذي رأيته عليه مريب. بطنها منتفخة أمامها، والجروح منتشرة في جسمها. أمد يدي بتردد وخوف ، فمثل هؤلاء الاقتراب منهم ملوث.

اقتربت أكثر كي أتأملها ، التقت عيني بعينيها. جفونها باب مفتوح فتحة صغيرة، تتسرب منه قطرات دموع متقطعة ، تداعب بؤبؤ عيناها الأزرق. كان من الصعب التخلي عنها وهي في هذه الحالة.

أضع يدي علي رأسها برفق، تضم قدميها حين ارتطمت بحذائي. جلبت زجاجة المياه من السيارة، نثرت عليها بعض القطرات ،لكنها مستسلمة لحالة أعياء شديد سيطرت عليها.

حملتها ، وضعتها في السيارة متجها الي البيت، لكن كيف آخذها معي وهي على هذه الحالة. لابد من عرضها علي طبيب لتعقيم وتقطيب جروحها، الوقت متأخر تجولت كثيرا ولم أجد أي طبيب. لم يكن لدي خيار آخر إلا التوقف أمام صيدلية ، لشراء بعض المضادات الحيوية.

تخوفت أن يكون انتفاخ بطنها نتيجة لحمل بين احشائها. اكتفيت بشراء مرهم ، اتجهت بها الي بيتي . حملتها بخوف ، وهي أيضا خائفة مني . تريد أن أفلتها من بين يدي، فتحت يدي قليلا بدلا من إحكامها علي جسدها.

رأيت في عينيها رغبة في الفرار، لكن عجزها حجمها عن رغبتها. وراء نظرتها الصامتة ألف حديث ، لكن النطق به محال. شعور رائع وأنا فخور بإنسانيتي التي طغت علي. فتحت الباب اتسلل بهدوء ، أخشى أن أضيء مصباح الصالة، فتشعر أمي بعودتي.

دخلت غرفتي وضعتها علي الأريكة، اتجهت الي المطبخ . لتجهيز ماء ساخن، أحضرت طبقا كبيرا من البلاستيك ، وقطعة من الاسفنج. بحثت في أركان المطبخ عن قفازات بلاستيكية فلم أجد. فوضعت أكياس صغيرة في يدي، أمسكت الاسفنجة مسحت وجهها ورأسها اولا من التراب الذي التصق بقطرات الدم.

أمسكت قدمها ارتعشت وخافت ، لم أبال بخوفها وأكملت مهمتي في تنظيف جسدها. وعاودت تغير الماء المتسخ، ظهر جمالها بعد أن نظفتها تماما. أحضرت المطهر والمرهم ،وضعتهما علي رأسها.

كشفت المنشفة لاطهر الجرح الذي بأسفل بطنها. استسلمت للمسات يدي وهي تدواي جروحها، فاجأتني حين ارتجفت وارتمت بين ذراعي ، بجسدها المبلل. كنت أفكر بعد أن اطهر لها جروحها، أن افتح لها الباب وأطلب منها الرحيل .

فعلتها هذه جعلتني عاجز، أن اجعلها تمشي وهي لم تتعاف . اذا حل الصباح ورأتها أمي حين تدخل غرفتي لتيقظني ، ستصرخ بقوة ، وتطردها في الحال . اتجهت الي شباك المنور، الذي يقابله شباك شقتي التي سأتزوج بها، لا زالت علي الطوب الأحمر. بين الشباكين مسافة نصف متر. سحبت الأريكة ،صعدت عليها أنا وهي حملتها، وضعتها علي حافة الشباك الآخر.

تحت الشباك هناك كتب قديمة مرصوصة، كتب الدراسة الخاصة بالأعوام الفائتة لإخوتي . ساعدها هذا السلم الورقي علي النزول بسلام.

نمت وأنا مطمئن البال عليها، ذهبت لأراها في الصباح فوجئت أن باب شقتي مفتوح، وهي ممددة على الأرض ، وقد لفظت أنفاسها الأخيرة. وإذا بأمي خلفي تصرخ : القطة أكلت طعام الفئران الذي مزجته بالسم .