11 ديسمبر، 2024

” هكذا تحدث ” للقاص : هيثم جبار _ العراق

هيثم

هيثم

هكذا تحدث سادن النهرين

الجنوبي الذي احتضن الشط , جذبته دجلة والفرات ليكون شاعر النهرين , من ريف الهوير انحدر الحجاج كاظم ايقاعاته البصرية , ليخبرنا عن حديث شهريار , وعن شي لا يشبه الاشياء , كجدارية النهرين مثلا , او نشيد العراق , او الكابوس الذي كان فيه الشاعر جزارا , وكان خروفه يبكي ولكن ايخجل من دموع خروفه الجزار . كان يعد الشاي بالاغصان ليلا ويخشى ان يكسر اخوته الاغصان .
لذلك ترى الشاعر يصلى على ما تبقى من عطر بصرته واريجها , يصلي على جسور نظران والشناشيل , وسوق الهنود , وقصر النقيب , على النهر المبلط بالقار والطابوق , على مائه العذب على نهر العشار وساعة سورين .
البصري الذي يرعى غزالة الصبا , في مروج الشعر , يطفي قصائده الموقدة حين ينام , ويذوب مثل قطع السكر في اقداح الشاي , فهو الذي لا يحب القيود حتى للدمع فالدمعة عنده ماء مسجون , هل رأيتم شاعرا يبكي بنهرين من عينيه ، عين تبكي دجلة وعين تبكي الفرات ، رسوله الحسناء المبشرة علمنا درسا في الرفض وضرب لنا مثلا بالكرسي , يخاطب العمر ان يقف مرة بوجه السنين ويحافظ على وريقات وجهه المتناثرة من شجرة الحياة .الرصاصات الطائشة بريئة بل مرغمة على الاطلاق , والرصاصات الخبيثة هي من تصنع امجاد الحروب .
الجنوبي سادن النهرين الذي خرج ساخنا مثل خبز الارياف , ها هو اليوم لائقا ومتوجا بالقصائد , له دمعتان الاولى للحسين والثانية للمسيح فكلاهما غُدرا , ومثل تفاحة مراهقة يمتص الليمون شفتي الفتاة , فتغمض عينيها تشنيفا ولا تفتحهما الا عند طلوع الفجر , حين تغادر الطيور اعشاشها , حين يهرع العمال الى المصانع , تفتح الفتاة عينيها وتتثاءب في وجه الكون ولكنها لن ترى فجرا جديدا , فمازالت شجرة الاقزام تخدش راس الشاعر , ومازال الرجل الشرس يهدد المراة الحامل ان انجبت طفلة , وكأن آدم وحواء لم ينجبوا في الشرق رجالا ونساءً , بل انجبوا ذكورا واناثا .
هكذا هي قصائد كاظم الحجاج , كائنات حية , كالبرتقالات الناضجات , مثل الفتيات المراهقات ’ وكلاهما يصفر وجهيهما البرتقالة والفتاة كلما قرب الغرام او القطاف , حتى افراحه تتكسر وتتشظى كالمرايا , اما الهزائم منقوشة على الخوذ , لا يشعر بها غير امهات الجنود بدموعهن , حين يقتل جندي في ارض غريبة تنزل دمعة امه وهي في بيتها , دموع الامهات كامرات مراقبة يلتقطن صورا من المعركة .
في الحرب القاتل والمقتول يدعي النصر , الكل يرمي بالهزيمة لعدوه , لكن الحق ان قلوب الامهات هي التي هُزمت , حين تنظر الام الى كرسي ابنها الفارغ , اناءه المكسور , مكتبة التي عشعش عليها الغبار , ملابسه المعلقة , كل شي في البيت يوحي بالهزيمة .
نحن تماثيل لا دور لنا في مسلسل هذي الحياة , يحركنا المخرج المغرور كبيادق الشطرنج كيف يشاء , وما ان يتحرك في دواخلنا الانسان يفسد دور التمثيل .
ومثل طفل عاشق لفتاة خضراء العينين يقف الحجاج بشموخه مرتبكا , في مساء داخلي وسيناريوا لزجاجة خمر ونصف تفاحة , هناك في الظلام هلال بعيد , فجأة يبرق خنجر يخرق ثوب السماء فينزف منها النبيذ على يد شاعر لدغه عقرب الساعة الواحدة والنصف ليلا .