الحبر
مرت تلك الدّهور ، ألم يمضي على فراقنا دهورا ؟
الوقت طويل بغيابك ، نظرتُ للطاولة التي تزخرفت بذكرى المضاجعات الواحد بعد المئتين .. بعد كل حبّ كنتَ تؤرخه ك(حدثَ في مثل هذا اليوم ) على الطاولة الخشبية ، ثم ترسم حول التاريخ شكلاً هندسياً كتعبير عن شدة الحميمية أو رخاوتها .
في البداية كانت التواريخ محاطة بالدوائر ، وكنت تقول تمت على أجمل وجه ..الدائرة اكتمال ..ثم تشدني من ذراعي وتراقصني منتشيا .
صارت الدوائر تقلُّ ويتخللها مثلثات كوصف عن علاقة شابَها انكسار في مكان ما .
كنت تقول : كلما زادت الأضلع والزوايا كلما تناثرت الحميمية والرغبة .
كانت الدوائر تتخلل المربعات والمخمسات ..أقصى وأشد انكسار كان مسدس الشكل ..لم نتجاوز بعده شكلا منكسرا مغلق ..لكن بعد كل شكل منكسر ترسم دائرة .
صارت الطاولة أشبه باللوحة …التاريخ الأخير كان على حافة الطاولة وقد نسيتَ أن تؤطره بشكل هندسي ..وما زلتُ أسأل كيف كان انطباعك عن الحب أنذاك !!
أذكر لحظتها أنك كنت تبتسم وأنك دغدتني ..كما أذكر أنك ملأت كأسين من العرق وجلستَ عند الطاولة لتؤرخ لحظة الحب و عندها غمزتك لترسم حوله دائرة ثمّ ضحكتُ بصوت عال …مما جعل العرق ينسكب على مسودتك الشعرية المكتوبة بخط يدك بالحبر الأزرق الذي تحب .
نهضت لتنقذ شعرك الذي ما أن شرب العرق حتى تحولت كلماته لبحر أزرق لوّن الصفحات .. لم أخفِ ابتسامتي حين عبّرتُ لك بجملة شعرية((الآن بتُّ اعرف كيف يصبح الشعر بحراً على ورق )) .
لن أنسى ما حييت نظرة عينيك ..كأني قتلت لك طفلا بدم بارد ..لم أقل جملتي من باب المزاح بل كي أواسيك ؛ وكان توقيته خطأ دفعتُ ثمنه دهوراً …ألم يمضي دهوراً على غيابك؟
اعتبرتَها جريمة قتل متعمد ..ليست تلك المرة الأولى التي ينسكب منها العرق وأنا أضحك وأبكي أو أرميك بالكأس حين تهددني بالرحيل .
وجودك كان كفيلاً بجذب أكثر المشاعر تناقضاً كأن أضحك وتبكيني بعدها …كأن أغضب وتُهدّأني باحتواء وجهي بين كفيك …. أن أحزن وتفرحني بموال ارتجالي من العتابا تنهيه بزعرنة مثيرة ….أن أخبو فتشعلني بجملتين تنقر بهما شفتاك شفتاي .
كنت تزرع الفصول دفعة واحدة بي وأنا كشجرة ما أن أبرد حتى أشتعل حرارة ؛ ما أن أثمر حتى أزهر …أو كمركب وحيد جدا في محيط أتأرجح بماء الفصول .
لم تكن شخصاً من لحم ودم فقط ، بل تأتي كغيمة حيناً وحيناً آخر زوبعة أو نار في سهرة أو أغنية كلما كررتها انكشف جمال لحنها .
الآن وفي غيابك ؛ تحضر كحبر لم يكتف بالأزرق بل صرّر الألوان في تعويذته ..وترك لي الدهشة منهارة وعقدة كقلادة ضيقة على الرقبة وسؤالاً حائراً كعنوانٍ في ورقة : وأنتَ الحبرُ …كيف سيخطّ قلمي كلمة لست بها ؟!
#مي_عطاف
More Stories
كسر القلوب ” للشاعرة : لمياء صلاح _ مصر
أغار عليكِ ” للشاعرة : منال حسن _ مصر
عزف الحروف ” للشاعرة : إيمان مصطفى _ مصر