14 يناير، 2025

” رحلة ذات ” للقاص : عبدالله الصليح – السعودية

سعودى

سعودى

رحلة ذات..!

ذات مساء.. على أحد شواطئ مدينة الخبر، وقفت سيارة يستقلها عدد من الأصدقاء، نزل منها أحدهم مستعجلاً ليبدل ملابسه، لم يعبأ بانكشاف جسده والليل يدثر عريه.
ارتدى لباس السباحة، وانهمك يحرث الرمل ماشيًا باتجاه البحر، بينما انشغل اصدقاؤه بوضع لوازم جلوسهم في انتظار أن يشبع حنينه، ويرضي شوقه، وصاح فيه أقربهم إلى قلبه: لا تبتعد كثيرًا.. سننتظر!
راقبته عيونهم بينما يسير بين الأمواج الهادئة، ثم انشغلوا عنه بحديثهم..
أما هو فقد واصل السير حتى لم تعد خطاه تلمس الرمل، نشر ذراعيه ليسبح بهدوء، حتى استحال كل ما حوله إلى السواد، هناك حيث يسترق النظر إلى يديه التي تتحرك في هدوء فيلمح فيها لمعة فسفورية تتوهج خلف حركات يديه وتجديف رجليه، فرد جسده ليستلقي على صفحة موجة هادئة ويطلق ناظريه نحو السماء، وقد تزينت بنجومها.
أغمض عينيه ليسمح لنبضه بالهدوء، كأنما يستلقي في فراشه الوثير، وانشغل بتهدئة أنفاسه لتطمئن فيطول من ذلك تنفسه، شعر كأنما أطبقت عيناه ليتداخل في مسمعه صوت طفلة تنادي أباها لتستنجد به من أخيها الذي يستمر برش الماء في وجهها، وتعلو ضحكاتها التي تستبدل ندائها لأبيها بنداء لأمها وكأن والدها لم يأت لمساعدتها كما ترجو، ثم تعلو ضحكاتهم مترامية إلى مسمعه، اجتذب نفسًا أعمق ليغمر أذنيه في السكون فلا يسمع سوى تردد أنفاسه، وارتسمت أمام خياله صور وذكريات؛ كان يسبح في ملكوت ذاته بينها.
استحالت السماء إلى شاشة عرض، تدور فيها مشاعر الفقد، ورغبة التخلي، وطموح الاكتفاء..
تتجسد في عقله كلمات العابرين والحاضرين، فتوغل في طول مكوثه على حاله..
ترامى لسمعه أزيز يقترب، فتح عينيه مفتشا تجاه الصوت ليرى أضواء قارب على جانبه عبارة “حرس الحدود”.
راقبه بينما يبتعد وهو يحاول معرفة طريقه للرجوع، لم يستطع!.
خفق قلبه بسرعة.. وشعر أن البحر يبتسم بمكر.. استحال هدوءه إلى هلع، واتسعت عيناه كأنما استبدلها بعيني صقر، فأضاءت أنوار جسر الملك فهد من بعيد، وأشارت: هناك.. حيث يجب أن يحاول العودة..