21 مارس، 2025

ين الواقع والخيال للقاصة : سعدية بلكارح _ المغرب

سعدية

سعدية

“البكالوريا”
بين الواقع والخيال

ربطتني أجواؤها هذه الأيام، وأنا أقوم بمهمة “الحراسة” أثناء الامتحانات التي تجرى حاليا في بلادنا، بروايتي الجديدة “جدائل متعبة” عندما عاينت عن قرب، هذه السنة المستثناة بظروف الحائحة، الانكسار في كثير من العيون التي تتنقل بين أوراق الإنجاز والفراغ.. (أدركتُ عمق رؤيتي عن مفهوم الامتحان)..

إليكم الجزء المقتبس من أحد فصول الرواية :

“في صبيحة يوم الامتحان، و في وقتٍ مبكرٍ، سمعتُ نقرا خفيفا على باب غرفتي، ثم همسَ أمي:
– مريم ، انهضي لتتناولي ملعقتين من العسل، وبعضَ التمر، قبل الذهاب إلى الامتحان. القهوة جاهزة أيضا.
-الوقت باكرا يا ماما. ما زلتُ نعْسى.
– انهضي يا بنتي فأنا لم أنم قطُّ، بِتُّ أصلي لأجلكِ.
في ساحة الثانوية، و قبل الموعد بقليلٍ، كان الجميع في توتر واضح. إنها فوبيا الامتحان. إنه القلق الكبير. همهمتُ: ليتَهم يعْدِلون عن هذه العادة السيئة. إنه العبث.
يجبرني صدى صوتٍ بعيد على التوقف:
– لكن يا آنسة كيف ستتم مقاربة تقييم أعمال الطلبة في رأيك؟.
وأنا أتلفّت في كل اتجاه قلتُ:
– ألا يمكن تطوير ذلك دون هذا التوتر المسمى “امتحان”. و تلك الهالات السوداء المشوِّشة، التي يرسمون حوله؟
– هاتي ما عندك.. بادري باقتراحات مقنعة أو اصمتي؟
– كلمة امتحان قاسية جدا. وأجواؤه أكثر قسوة. فكر في الأمر بجدية. أنت أيضا يرهبك الامتحان.. أليس كذلك؟
– أنا مع الامتحان.. فهو المانع الرادع. إني أكون في أوجِ انتصاري أيام امتحانكم، وأنا أرى نظرات الاستجداء في عيون خائبة مثل عينيك الآن..
– أظنني عرفتك أنت كمال.. أليس كذلك؟
و واصلت دون انتظار تأكيد منه أو نفي:
أنت الطالبُ المشهورُ، الذي حضر متأخرا إلى مؤسسته، فوجدَ الباب موصَدا وَ…
يقاطعني:
– واسَتنجدَ دون جدوى بالحراس ليفتحوا له. فانطلق يعدو وسط الطريق ويصرخ بهستيرية حتى صرعته سيارة..
سمعتُ نشيجه العميق و هو يردد:
– نعم أنا هو.. مات كمال .. مات كمال و عاش الامتحان.. عا..
خبا الصوت فجأة، فأثار انتباهي شخص يمر أمامي.
تبعته بسرعة لأتأكد هل هو نوفل.. استغربتُ حضوره بعد هذه القطيعة المباغِتة، ثم امتلأتُ سعادةً وأنا أتوقع رؤية خولة أيضا.. سألته وأنا أبتسم:
– أين خولة يا نوفل؟
– لم أرها.
-ماذا؟ أ لم تكن معك؟
– لا.
– أ لم تكن معك يا نوفل؟
– قلتُ: لا. أ ما سمعتِ؟
– ما بكَ؟ لِم تتحدث معي هكذا؟
أدار ظهره و انطلق نحو قاعته، ليذرني في حيرة. دون أن يردّ على أسئلتي..
ليتني لم أره ولم أسأله.. أنا في ورطة الآن. كيف سأجري امتحاني وأنا قلقة هكذا؟..
يرن الجرس معلنا عن ضرورة الإسراع إلى القاعات. الكل يتحرك الآن في كل اتجاه، وكأننا في محكمة عسكرية، ننتظر التحقيق و الاستنطاق. يتوجه الأساتذة المكلفون بحراستنا، إلى غرف التعذيب، عفوا إلى قاعات الامتحان.
رقم قاعتي عشرة جناح C. لم أعثر عليها بعد. أسمع تصفيقا وأمرا بالالتحاق بقاعتي، دقائقُ وجيزة، تفصلني عن مصير كمال الشهيد.
إنْ لم أعثر الآن على قاعتي فلن أدخلَها أبدا. إنها الكارثة، بدأتُ أجري بلا هوادة، لاحظتُ أحد الأساتذة يحثني على التوجه نحوه. كان يتحدث في الهاتف. سألني كم الرقم ؟ قلتُ: عشرة “س”. وجّهني وهو يهدّئ من روعي.
مرّ الامتحان كاسمِه بالذاتِ، غابتْ شمسُ الصباحِ، فظهرت نجوم السماء معكوسة على ورقةِ الأسئلة. كنتُ أبحث في دهاليز دماغي، عما خزَّنته من معلوماتٍ حول الجبر والهندسة، فلم أجد غير عينَيْ خولة تبكيان وتتوسلان إليّ. كانتِ الدقائق الأولى ماراطونية، جبتُ فيها كل الطرق دون العثور على شيءٍ، إلى أنِ استقرّ بي الحال أخيرا، وتبدد بعض القلق، لأدرك ما بقيَ من الوقت، وأشرع في تحليل ما وقعتْ عليه يداي، حتى لا تخرج ورقتي عذراء كما دخلتْ.. ثم توالت الساعات الأخرى بسلام.
وينتهي التوتر أخيرا بما كنا نأمل ، تأهلت وزملائي القدامى إلى السنة التالية.. ثم عانقتنا عطلة تجبرنا على الفوضى تحت قرص الشمس الملتهب…”