24 أبريل، 2025

“أنا الحي الميت” للقاصة : ماجى صلاح _ مصر

ماجى

ماجى

أنا الحي الميت


أخدعوني حين أقنعوني بتلك الأفكار؟ حين حبسوني بإرادتي في هذا السجن المرفه، فها أنا ذا استيقظت كما هي عادتي من أسابيع بل لنقل شهور. أتحرك بنشاطٍ كأني ذاهب للعمل لأصلي، وأقف على المشاية لمدةٍ لا تتعدي العشر دقائق وقد فتحت شاشتي الكبيرة ورحت أدردش مع صديقي وكان يجلس على أريكته يشرب الشاي. تكلمنا لدقائق سألته مابالك متجهم ولما ابتسم ونحن نعيش في عبس وعالم اللامعقول قلت له: اهدأ، وقم لعملك وكفاك وجوديه..هذا الكلام الغريب فقريباً ستعود الأحوال كما كانت، إلى اللقاء..
ثم أغلقنا حتى يبدأ كلاً منا عمله..
جلست باسترخاء أشرب قهوتي وقد أمسكت تليفوني أتصفح مواقع السوشيل ميديا. هذا نعي المرحوم فلان ومات فلان وماتت فلانه وفلان في حاله حرجه.. أموات ثم أموات !!
تنهدت كأنكَ على صوب ياصديقي,,,
إنه ذاك الوباء يسري كسريان النار في الهشيم مات الكثير وأصيب الكثير ولكني لا أختلط بأحد. متى آخر مره نزلت الشارع من شهر تقريباً.. قسم اني أصبحت أخشي الناس لا تلامس لا نزهات مع الأصدقاء لا لا عشرات المحاذير !!
ولكني سعيدٌ بوحدتي
هل أنا سعيدٌ فعلاً ؟ يالها من كلمه !!
متأقلم، ربما نهرت نفسي ماتلك الأفكار الكئيبة أين كلبتي لماذا لا تزعجني كعادتها.
أضأت شاشة الاجتماع أمامه عشر دقائق
نظرت حولي وانتابني هاجس مزعج هل أصبحنا نستمتع بتلك العزله ؟ وهل سنحب تلك الحياة؟ هذا ذكرني بقصة (السيد في حقل السبانخ) عن َمجتمع منغلق التعامل بين الناس بالشاشات حتى التزاوج بالتلقيح وحسب احتياج المجتمع، ثم ضحكتُ بخوف..
سمعت أصواتاً ففتحت عيني وألقيت التحية وانتصبت في جلستي كأني بالمكتب، وسألت لِمَ لم يكتمل العدد فلم يظهر ألمدير، ولم يظهر اثنان آخران.. ثم سألتهم ماذا هناك !!
أخبرني أحدهم أن المدير مات وكذلك زميله وآخر بالعناية ..
قلت له أنت كاذب فنحن لا نخرج، فكيف أصيب. وأنت كيف عرفت !!
قال: من ابنه فهو صديقي أما عن سبب الإصابة فلا احد يعرف، فهو لا يخرج .. صرخت فيه أنت كاذب فهم جميعاً ملتزمون..
أنت الوحيد الذي يخرج فلماذا لماذا لم تصاب .. قلتها وأنا أصرخ فتدخل أحد الزملاء قائلاً اهدأ يارجل هل تكفر بالله !!
رحت إتمتم كاذبون كاذبون ..
قال زميلي اعذروني سأذهب الآن لبيت ألمدير لحضور الدفن ثم لبيت الزميلة لواجب العزاء ثم أذهب للمشفى حتى أطمئن على الزميل ..
قلت بعصبيه أنت غبي يارجل اجلس في بيتك حتى لا يصيبك الوباء .
ابتسم وقال يدرككم الموت ولو كنتم في بروجٍ مشيدة..
اغضبتني ابتسامته الراضيه كأنما لايهتم !
أغلقت جهازي وقد انتابني شعور بالضياع
رحت أدور في شقتي كالمجنون كيف أجلس هكذا وأنا أنتظر الموت ؟! لا لن انتظر فأنا اليوم على قائمة الانتظار نعم فلن أظل مشروعاً لمرحومٍ قادم..
نظرتُ ليدي لماذا ترتعش.. ارتديت ملابسي
ودخلت البلكونة لأخذ كلبتي . هيا ياصغيرتي لِمَ لم أسمع نباحك. لكنها لم تخرج نظرت ووجدتها ميتة، جذبتها ورحت أهزها بقوة: استيقظي لا تتركيني. رحت أضمها وقد انتابتني حاله من البكاء الهستيري.
ضممتها لصدري ، كفنتها بقَماشةٍ نظيفة. لا أستطيع التوقف عن البكاء لم أكن أعلم هل أبكيها هي رفيقة وحدتي أم أبكي حالة الخوف والقلق.
خرجت للشارع ونظرت للوجوه، كان الحزن يغمر الناس وعليها غبره يتكلمون ولكن لا يضحكون كأنما الحياة تجمدت والروح في حالة سبات تحتاج إلى صدمةٍ لتوقظها. ولكن أي صدمه أكثر مما يحدث، نظرت لكلبتي أربع سنوات.. أنتِ رفيقة رحلتي وكأنك لم تستطيعي أن تتحملي مايحدث في الحياة من تقلبات
أقسم لن أرتدي كمامه ولن أهتم بالتباعد،
ها أنذا ذا ياصغيرتي صنعت لك لحداً وسأتركك في أمان تحت الثرى. انتظريني ياصديقتي فبيننا موعدٌ عن قريب..
رحت أهيم على وجهي وأتنقل من مكانٍ لمكان ومن زحامٍ لزحام.
نظرت بتعجب اي وباءٍ هذا الذي يتحدثون عنه؟ وقد اكتظت المحال بالمشترين كأنما أصابتهم حاله من اللامباله أو فتور المشاعر!!
إذاً لماذا كنت أعيش بسجني الخاص فما أنا إلا مشروع ميت. فمادمت سأموت فِلمَ أعمل أو أجتهد أو أحلم !!
لن أسمح لنفسي بالأمل سأذهب هناك لعمق الألم فما أنا إلا الميت الحي
كانت هذه اللحظات الأخيرة قبل الانهيار. وهو اليوم نزيل احد المصحات النفسية