11 ديسمبر، 2024

“عصافير” للقاص : محمد الرياني _ السعودية

سعودى

سعودى

عصافير

العصفورُ الأصفرُ الذي احتلَّ جزءًا من نافذتِه المفضلةِ يُغيضه مع كلِّ زَفرةِ تغريدةٍ يُرسلها لعصفورتِه المنتظرةِ على الشُّباكِ الآخر ، اكتشفَ متأخرًا أنَّ العصافيرَ بينها عشقٌ يشبهُ العشقَ الذي تناقلته الأساطير ، العصفورُ الأصفرُ الجميلُ به ملامحُ بريئةٌ جميلةٌ تجعلُ الإناثَ يتسابقنَ نحوه فيحجبنَ الرؤية ، يتغاضى عن الحالاتِ التي يكتشفُ فيها لحظاتِ الغرامِ بين الطيور فيصرفُ النظرَ كي لا يحرم عاشقين بمنزلةِ طائرين يَحلُمان بالحياةِ في عُشٍّ أخضر أو بين أغصانِ شجرةٍ وارفة ، يحدثُ هذا في النهار والصباحُ هو المفضلُ لالتقاءِ عصافيرَ تغني باسمِ الحبِّ ثمَّ تتفرَّقُ دون مَعرفةِ لغتِها أو منطوقِ حِوارِها الناعم ، يَجثمُ الظلامُ فتغيبُ العصافيرُ الصفراء ، تبيتُ وهي تحلمُ فوقَ الأعشاشِ أو داخلها إذا حَزمَ البردُ أو تسللتِ الجوارح ، وَحدَهُ خفاشٌ أبيضُ جاء في جُنحِ الظلامِ ليزورَ أخرى لجأت إلى نخلةٍ منزويةٍ لا تقربها العصافيرُ ، أو لاتُجيدُ النشيدَ على سعغها ، تطوفُ الخفافيشُ حَدَّ التعبِ حَولَ مضمارِ النَّخلة، أصواتُها المزعجةُ تفسدُ السمرَ حتى مع تَربُّعِ القمرِ وإطلالتِه على رأسِ النخلةِ الطويلة ، ذاتَ يومٍ باتت الخفافيشُ تطوفُ حتى الصباح ، حضرتِ العصافيرُ لتمارسَ اللعبَ على سِياجِ الشُّباك وبينهما عصفوران سعيدان ، حضرَ صَاحبُ الشُّباكِ مَراسمَ الفرح ، اكتشفَ أنَّ الخَفافيشَ تمتلكُ قلوبًا مثل العصافير يمكنها أن تنبضَ وتمارسَ الغوايةَ على طريقتها ، لم يَقسُ على طيورِ الظلام ، اختارَ شُبَّاكًا آخر وَزَّعَ فيه نظراتِه بين عُشَّاقِ الليل والنهار ، تملَّكتهُ غيرةٌ عجيبةٌ لم تمنعه من تَركِ أعمدةَ السياجَ تُلبِّي جُنونَ العصافير ، أشفقَ على نبضِ الخفافيش ، قالَ في نفسِه : لها قلوبٌ يمكنُها أن تُحِبَّ في الظلامِ أيضا .