29 مارس، 2024

” مفرق الوادي ” للقاص : فايع آل مشيـرة عسيري _ السعودية

قصة قصيرة …

تركتُ حقيبة مدرستي هناكـ تركتُ كراستي
وألوانها وقلمي الرصاص هناكـ صوت الراحلين والقادمين العابرين القاطنين لحظة يتوقف فيها الماضي كي يمسح الصورة المتربة حول عيوننا
التي لم تعد للحظات عندها قيمة..؟!
هنا كان الوقف حقيقة وكانت الأحداث واقعاً..
لا عليك يا صديقي سوى إغماضُ عينيكـ والذهاب معي لمدرستنا التي كانت ومازلت تقف شامخة رغم خطورة مكانها وإطلالتها على مزرعة ” الحوس ” العظيمة .. هناك تسمع صفارات الأستاذ حلمي
بذات اللهجة المصرية في طابور الصباح وحد..أتنين..تلاتة..أربع..!
قبل خوض جولة مع إذاعة مكلومة بالوجع والبرد والخوف وتنتهي بكلمة للمدير يتساقط منها الطلاب صرعى فأكثرهم لايعرف وجبة الإفطار !
تشرق الشمس في ساحة صغيرة عليها شعارات معلم الفنية الأردني “محمود” الجميل في كل شيء..
ندخلُ فصولنا وصوت أبوبكر سالم بالفقية يردَّد :
يا بلادي واصلي وأحنا معاك..!
ضحكات المعلمين أستاذ بشير معلم العلوم الفلسطيني والذي كان يلبس لباساً يشابه لباس المناضل ياسر عرفات !
والمعلم سالم صاحب الصوت الجهوري في كل رداهات الإبتدائية والمعلم سليمان الذي كان يحب العربية لدرجة أنه يقرأ لوحات المدرسة لوحةً لوحة باحثاً عن خطأ يصححه ؟!
مقصف “أبو بشار” الفلسطيني والذي كان يأخذ مايريد من خمسة ريالات تارةً وتارةً يعيد لك فتات الريالات ..!
صديق المدرسة” بحني ” والذي قضى الأكبر سناً في المدرسة يأخذ السنة بسنتين حتى وقف في الصف الرابع الإبتدائي وقوفاً طويلاً ..!
تخرجنا من السادس الإبتدائي ومازال بحني يعاني في ذات الصف ” لك الله “يا بحني لو إنكـ أتيت في زمن “التنجيح المستمر”..!
ويقالُ بأنه مازال يحلم بالصف الخامس الإبتدائي وإن روحه تسكن الصف الرابع الابتدائي عند نافذة الحرية التي لم تجلب له الحرية ؟!
وإنها تأتي مع بداية كل عام ؛ علّها تسمع اسمه لتخبره بأنه قد انتقل للصف الخامس وأن اسمه في لوحة الشرف وسط بهو المدرسة .. !
محمد عوض البليد دراسياً والموهوب كروياً يجيد ألعاب الهواء لدرجة أن معلم الرياضيات الأردني الحسيني صفَّق له طويلاً حين سجل هدف المباراة الحاسم في الدقيقة الأخيرة في حفل المدرسة النهائي وكان رائد فصله قائلاً :
“مافيش أشيء يظل مستخب على الطابة”
بمعنى مافي مستحيل في كرة القدم !
في ذات المدرسة يهرب الطالب القادم من وراء الجبال “محمد عبدالله ” ..
سعد جابر المؤذن الذي يحبه كل المعلمين
قضيته لاتنتهي خارج المدرسة مع طلاب قرية مجاورة .. !
” شريف ” الأكثر ضخامةً والأكثر مزحةً يشعرك بأن مادة الإملاء أصعب من الفيزياء النووية !
كثيرة تلك الأجيال التي عبرت عبر بوابتها..
حاولتُ أن أقطفُ شيئاً يعيدني لتلك السنوات الخاليات..!
مدرسة ” زيد بن حارثة ” الإبتدائية خارج حساب القانون فهي الأجمل مكاناً والأقل صخباً والأكثر حكايةً بقي بعضها وتوارى بعضها الآخر وبقيت رواية تنتظرُ من يكتبها ..