24 أبريل، 2024

“الغريب” للقاصة : سعاد محمد _ سوريا

كرتون

ارشيف

(الغريب) وقصيدة النثر

لا ندري لمن ستكون الغلبة في نهاية المطاف؟ لقصيدة الشطرين ومعها التفعيلة أم لقصيدة النثر،وقد أخذت الومضة الشعرية مكانا لائقا وباتت الأقرب والأكثر انتشارا على مواقع التواصل الاجتماعي .أم أن المسألة لم تعد على هذا النحو من الاهتمام بالشكل، ذلك بأن القصيدة العربية لم تتوقف عن اكتساب أشكالها المتعددة وفق متطلبات كل عصر وظروفه، ومدى تقدمه ومنسوب الرخاء والجمال في دنيت العرب التي وقفت وراء تطوير القصيدة العربية شكلا ومضمونا (الأندلس شاهدا).
حتى إذا عبرنا إلى الحداثة في النصف الثاني من القرن العشرين كان التطور الأهم والأخطر من وجهة نظري، فقصيد النثر رياح كادت تقتلع خيمة الشعر وليس بيتا أو بيتين وتدا أو عامودا سدرا أو عجزا، بعدما أجهزت التفعيلة على كثير من هذا الموروث الجميل.
ها هي سعاد محمد ترتدي الساعة الخامسة والعشرين ثوبا،تتعطر بحلم المستحيل لتضيف جديدا لقصيدة النثر عبر غريبها، المجموعة الصادرة هذا العام عن مؤسسة سوريانا للانتاج الاعلامي، فماذا قالت ؟ وكيف قالت؟ بعد أن اختارت الغريب عنوانا يفتح أفاق السؤال عن أي غريب يتحدث ويقول، عن غريب البير كامو، أم غريب بدر شاكر السياب على الخليج، وهنا العنوان مفتوح على القصة والرواية مثلما هو مفتوح على القصيدة،ممهدا لمضمون يكاد يختصر ذاته، فهل صحيح أن الشعر سيقف عند الغربة أم سيكون مشرعا لكل ما هو انساني ونبيل .
وبداية يبدو الشعر لديها لهفة، وه كذلك لدى كثيرين ممن اقترف فعل الكتابة وتلبسه الإبداع ولو إلى حين، ولولا هذه اللهفة التي ترتدي النص الشعري على مختلف مستوياته ومستوياتها لما ارتقى الكلام إلى أن يصير سحرا.
وفي قصيدتها من أيقظ اللهفة حزمة من الأسئلة، ليس أولها:
من تبللت يداه بتلك الفتنه
أذنّ الشوق عليك
فتعثر القلب بأسباب الغياب
حري بهذا الليل
أن يطمر رأسه
تحت كومة الفجر .
ثم يتدرج الشعر بهاء وجمالا وتتماوج القصيدة على يدي شاعرة مجدة تعرف ماذا تريد أن تقول ليبلغ الجمال اليوسفي فتناصبه الحب في صورة مبتكرة وتتصيد سقطات شوقه صارخة:
أيا رجلا يسافر في دم الكلمات
ليبلغ النداء أعلى أمواج التحذيروالتنبيه في انتقائية موفقة للعب على المفردات والذهاب بها الى غير اتجاه خلافا للمألوف:
إن نصبت لك شراك الغواية
فتجنب خارطة طموحي
مر عليها
كعابر يسلم على بئر
لا تسقط حتى لا تجف القصيدة .
ومن يوسف القصيدة إلى أنثى منقحة يبدو الشعر هاجسا يحتل كيان سعاد محمد فتتناثر عناوين قصائدها زهرة زهرة على درب ليس معبدا بالشهد وليس كله أشواك ،وإذ تطبع على كفيه رشوة نزيهة فيتراقص ضاحكا ص17تزرع مكانها عتبا خفيفا حتى لا ينبت شوك الأسئلة فتصرخ:
فأنا الحديقة الخلفية لأنوارك
وتسأل: كم عينا سرقتك عن زهوة تلأألي
وتعمد الى حنكة قصيدتها الرابعة ذاكرة تغتال كل متعة حتى تظنه مع غيرها انه وحده سادن الفرح، فمن هو الحبيب وما هي ماهيته في شعر الشاعرة؟ هل هو المطلق أم المحسوس أم نحيل السؤال إليها وإليهن وهن السميعات العليمات ص25
وهن :ناهدات الصبر
ضامرات الأنا
الصغيرات … الصغيرات
كأزرار قمصانكم
المعتقات كأحضان أمهاتكم
المنمنات كحبات ندى.
ولا ننتظر كثيرا حتى يردنا شيء من الجواب المفتوح على احتمالات عدة منها ما باحت به بعد نداء يا حب:
القلم صبي فائر حبره
والورقة أنثى بيضاء
فكيف لا تحبل القصيدة بالياسمين ؟
وقبل ان ينقطع ازار الطريق تتحفنا الشاعرة بمقولة مفادها انها تخاف ان تخاف فمما تخاف؟
أمن فقاء الجهل كما صرحت أم من أن تنام خارج دفتي كتاب عارية من فكرة في انحياز واضح للفكر. وهذا يتطلب قراءة متأنية لكل ما قالته سعاد محمد في الغريب
أما كيف قالت فالجواب وإن يبدو يسيرا إذ إنها اعتمدت شكلا واضحا حافظت من خلاله على نسث جميل من قصيدة النثر كما رأيناها عند الرواد .
لكن ذلك الجواب عن شكل القصيدة يحتاج إلى الكثير من التدقيق في صلة القصيدة مع موسيقا الشعر العربي عامة وموسيقا الخليل بن أحمد الفراهيدي خاصة .
هذا من جهة ومن جهة ثانية لا بد من وقوف مطول مع التناص والاقتباس وكيفية توظيفهما على نحو بارع ومعاصر .
الغريب مجموعة شعرية جديدة تستحق الاحتفاء بالقراءة … وبالنقد
رياض طبرة