من كتاب (شذرات من الذاكرة ) اللقة (12) للقاص : محمد المنصور الحازمي
أمراض موسمية – وداءان استعصيا -بماذا عالجهما “السُّدمي”” و ” خالي ”
_ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _ _
داءان كانا ينتشران ولا يسلم منهما طفل أو يافع ، الملاريا والرمد، وكلاهما نتاج وجود مستنقعات بكل حارة عند كل بئر.
ومع الزمن يتحول إلى حمأ رمادي اللون ، وهو ما نسميه الحماة..
وكذلك ،أفنية رحبة في كل بيت، مع هطول الأمطار تظل لأسابيع فتتكاثر فيها البعوض الناقلة للملاريا، وكذلك الرمد ينتشر في فصل
الخريف مع موجة الذباب وتكاثره وعدم وجود مراكز صحية
حيث لم تفتتح إلا متأخرًا بمستوصف ضمد، وبحمد الله اختفى
الرمد والملاريا بانتفاء مسبباتهما.
كان علاج الرمد بودرة بنسلين يباع في قنانٍ زجاجية صغيرة جدة
تغطى بربل صلب محكم الاغلاق يلفه شريط معدني تشبه الموجودة الآن في المشافي ومراكز الرعاية والصيدليات. الخاصة، توضع كمبة قيلة من البنسلين داخل العين، ويكتب الله الشفاء،
وإذا صَعُبَ فتح العين يتم شراء مرهم، وكذلك البنسلين من
دكان العم “محمد منصور مريع“ الله يرحمه.
أما الملاريا، كان يطلق عليها “وِرْد“ فيتم تخفيف الحُمَّى
بقطعة قماش مبللة بالماء، أو يتم سحق أوراق ردائم الفُل، وإذا
تأخر الشفاء، يسحق من نبات الأثل ويلف على الرأس، وإذا
حصل الشفاء ليومن ويعاود اليوم الثالث يطلق عليه “ثِلِيث“
أما الحصبة تصيب جميع الأطفال قبل أن تم تقليصها والقضاءوعليها بتطعيمات منذ الولادة وهي مرض شائع ومعروف اسمًا وآثارًا؛ تعالج قديمًا بغسل جسم الطفل بلبن بقر رائب ” حِقنة” في اليوم الثالث على الغالب.
مرض جدري الماء والذي يطلق عليه بلهجتنا “جُدِيْعا“تسبب آلاما في الظهر، وبثور في الجسم، وداخله، وتظل آثارها باقية و لا تزول إلا بعد فترة طويلة، أول ليلة تجرعتها، عام 1401 ه ، احسست بآلامٍ شديدة في الظهر استحال معها أن أنام على ظهري، ليلتها ابني الكرى اصيبت باحمرار بظاهر رسغها وعمرها لم يتجاوز ثلاثة أشهر، وكنت ساهرًا أتألم وهي تبكي دون أن نعرف ووالدتها السبب، صباحًا ظهر احمرارٌ بظاهر رسغها، راجعنا مستوصف ضمد لدى طبيب أطفال مصري، فتح مكان الاحمرار، فوجد صديدًا وقيحًا، ونظف المكان وصرف علاجًا، شراب مضاد حيوي ومسكنات، لم يتحقق شفاء.
بل كان يغير لها في الصباح وبعد المغرب في المستوصف تضاعف
مساحة الفتحة الي أحدثها لدرجة كان يضع لفة ضماد كاملة
الصباح وفي المساء يخرجها ويضع أخرى، ثم ذهبت بها إلى
معالج شعبي يعمل خروم صغيرة بالجلد برأس قطعة دقيقة
جدًا من خسف الدوم تم إحراقها؛ تسمى لدينا تلك العملية
وشيل والفعل “يوشِّل“، ولا فائدة.
ظهر أحد الأيام جاءت إحدى النساء المعمرات يرحمها الله؛
والدة فرحان حربان، ونقلت لنا أن طفلاً أُصيب ووجد أبوه
وأمه علاجًا في صيدلية “السُّدْمي“ بصبيا، اتجهت بعد مغرب
أحد الأيام من العام 1401 ه، إلى صيدليته كانت مقفلة،
سألت عن بيته، تجاوب يرحمه الله، وقال : سألحق بكم حالًا ،
وصلنا الصيدلية، عاين الطفلة، وعلى الفور سأل أمها: هل ترضعينها، جاوبت عليه إيجابًا ، أومأ براسه ، وصرف لها حبوبًا تتناوله قبل كل رضعة بثلث ساعة حبة واحدة ، ثلاث مرات في اليوم ولمدة ثلاثة أيام فقط م. ثم صرف علبة بخاخ وضع منها “بخةً” واحدة ، تغطي مكان الجرح وتعزله عن أي بكتريا قد تنتقل إليه .
ولم تمض ثلاثة أيام إلا وقد طاب الجرح ونشف تمامًا
فيما البخاخ لم نستخدمه إلا مرة واحدة، لم أكن سألت السيِّد
السُدْمِي عن مكونات البخاخ، ولم أقرأ ما كتب بعلبة البخَّاخ إلًا
بعد أن شفيت ابنتي؛ يشكل حماية من المؤثرات الخارجية بطبقة عازلة وحسب.
_ جديعا
أُصبت ووالدتي يرحمها الله وشقيقي علي بجدري الماء،
وتعاظم أمره عليَّ؛ قيل لي أن المطر ينشف حبيبات الجدري
المائي، أمطرت السماء فأطلقت لدموعها العنان تغمرني حتى
كف المطر، وبعد انتهاء المطر ، كنت معولًا بعد الله أن المطر سيئد حبيبات جدري الماء ، بل نبتت مكان كل قطرة مطر حبيبة جدري ماء، وكان قد أُحيل شقيقي علي ووالدتي إلى مستشفى أبو عريش،
وصباح اليوم الذي أعقب فشل تجربة العلاج بالمطر – ثم علمت بعد ذلك أن الرياح التي تسبق المطر هي البلسم – ؛ راجعت مستوصف ضمد فأحالني الطبيب على الفور لمستشفى ابو عريش العام، ونُوّمت بقسم العزل، بجانب علي، ورجل لا اذكر من اسمه إلا أنه حكمي من قرية مزهرة، مكثنا ما يقارب ستة أيام وقد انتهت الآلام، وبقيت البثور استخدمت لها صابونًا خاصًا من صيدلية السُّدمي في صبيا.
ضيق التنفس
في أول الشتاء يصير الطقس باردًا بمعيارنًا؛ ننام في الفناء،
كما هو الحال في الصيف كنت استيقظ، وأجلس لآخذ نفَسًا
عميقًا مرات بينهما فاصل ضئيل، ذهبت أحد الأيام إلى المستوصف بصحبة الأخ محمد بن ناصر الحازمي كان حينها طالبًا بكلية قوى
الأمن الداخلي أخذت علاجًا حقن بنسيلين وشرابًا، لكن رغم
أخذ الحقن وتناول الشراب لثلاثة أيام لم يحدث اي تحسُّن؛ بل
ظل الأمر على ما هو عليه.
في أحد الأيام؛ بينما كنت في زيارة لخالي الوحيد محمد
بن أحمد عقيلي الحازمي “يرحمه الله“ في داره شمال مسجد
العقالية؛ لاحظني آخذ نَفَسًا عميقًا بن الفينة والأخرى، فأشار
عليَّ أن أجرب ترياقه، كان يحتفظ بثمار من نبات برِّي مجفف؛
كان يضعها على خزان مياه مصنوع من الزنك كي تتعرض للشمس وتنشف، تلك الثمرة تشبه في شكلها ثمرة البرشومي الشهير في منطقة عسير؛ بيد أنها كرويٌّة بحجم كرة التنس الأرضي تقريبًا؛
غلافها سميك يشبه غلاف ثمرة الرمان؛ تغطية أشواك تشبه ما يغطي جلد القنفذ؛ وقد صار لونها بنيًا بعد تجفيفه، كنا نطلق عليه “زيت“ والبعض الآخر يطلق عليه “جار“،ينبت في الخلاء.
أخذ خالي منه ثمرةً واحدة، ثم قام بتفتيتها حتى، أحضر ورقة شفِّافة كالتي تلف به السجائر؛ حيث كان يباع تبغ الدخان في علب مستطيلة
ومعها ورق بلون أبيض، تباع في الدكاكين بأزمان قديمة ، وقد رأيت شبيهها مع أحد أولياء أمور معلمات فلسطينيات ، كان يشرف على بئر ارتوازية بمزرعة (القاصر) غربي ضمد ، وكانت غربيات تحمل برميلًا يعادل طول براميل تجلب فيه المياه المنقوله على “الحمير ”
مد الورقة ثم لف فيها “العلاج)” مما جهزه من تلك الثمرة وطواها، وأشعلها حاثَّا إيَّايَ أن أُدخن بها، حينها كانت أول مرة بحياتي أضع ما يشبه السيجارة بين شفتي،أخذت منه نفَسيْن تطبُبًا لا كيْفًا، وبحمد الله كان الشفاء إلى الآن.
More Stories
حبة سنين ” للشاعرة : إبتسام يونس _ مصر
افقد جناحى ” للشاعرة : امال ابو فارس _ فلسطين