13 أكتوبر، 2024

“يدان من ذهب” ترجمة : خلف سرحان القرشي – السعودية

كرتون

ارشيف

يدان من ذهب
Hands of Gold
قصة للكاتب الروسي: فيدور ابراموف
Fyodor Abramov

ترجمة خلف سرحان القرشي – السعودية

انطلقت مسرعة داخل المكتب مُضْفيةً على المكان بهاء وإشراقا وكأنها سنى من أشعة الشمس الساطعة:
” لقد دعيت إلى حفل زفاف في (مورمانسك)؛ صديقتي سوف تتزوج. هل تسمح لي بإجازة؟”
“وماذا عن العجول؟ من يعتني بها؟”
“سأحضر ماما لتقوم بذلك. إنها لن تمانع في المجيء لتعمل بضعة أيام”.
كاد رئيس الجمعية الزراعية أن يصاب بأزمة قلبية لأنه لن يجد أحدا يستطيع أن يطلب منه أن يعمل مكان (ماريا)، كما أن ليس بوسعه أن يرفض طلبها؛ لأنها أمضت خمس سنوات دون أن تأخذ يوما واحدا إجازة.
غير أنه ما لبث إلا أن هتف مبتهجا:
ـ خذي إجازة يا(ماريا) ولكن لا تجلسي قريبا من العريس وإلا فقد يأخذك ظانَّا أنك العروس!

كان الرئيس يعني ما يقوله، فهو دائم الإعجاب بها، ويحسد في سره الرجل الذي سوف تكون هذه الفتاه الكنز زوجته.
من الصعب أن تصفها بالجمال، ربما كانت تتمتع بشيء منه، ولكنها فتاة مرحة عالية الحماس؛ من النادر أن تجد مثلها، أما بالنسبة للعمل فهو لم يرى مثلها طيلة عمره البالغ خمسة وأربعين عاما. قبلها كان هناك ثلاث فتيات أخريات غير عابئات بعملهن في الحظيرة. لم يكنَّ طائشات. لقد كنَّ نساء مهذبات ومتزوجات غير أن العجول قد نفقت جميعها. ومن ثم جاءت (ماريا)؛ مجرد فتاة صغيرة لكنها في أول يوم قالت لهن:
” خذن إجازة. سأتولى العمل وحدي”.
شمرت عن ساعديها، قَلَبَتْ المكان رأسا على عقب حتى غدت حظيرة العجول الآن منظرا يغيظ الحساد.
بعد ثلاثة أيام، عادت (ماريا) عابسة الوجه يكاد فمها ينبئ عن حظٍ عاثر:
” ماذا بك؟ لعلك أسرفت في الشراب!”
هذا ما قاله لها الرئيس محاولا المزاح معها.
” لم أذهب إلى الزفاف”.
وأطبقت (ماريا) على شفتيها، وفجأة مدَّت يديها على المكتب غاضبةً متألمة:
” وأين يمكنني أن أذهب بمخالبي هذه؟ أأجعل من نفسي أضحوكة للآخرين؟”
لم يستطع الرئيس أن يفهم ما الذي كانت تتحدث عنه، فقالت له:
” وما الذي يصعب فهمه؟ دخلت مطعم المطار بحثا عن لقمة أكلها؛ حيث يبقى ساعتين على وقت مغادرة الطائرة إلى (مورمانسك). وجدت طاولات المطعم مشغولة كلها. اضطررت للجلوس على طاولة عليها سيدتان فاتنتان. يكسو (المكياج) وجهيهما حتى يكاد يصل إلى عيونهن. أتدري ماذا فعلن؟ توقفتا فجأة عن الأكل”.
رفعت ماريا صوتها مواصلة الحديث بشكل أقرب ما يكون إلى الصياح:
” لم يعجبهما منظر يديَّ؛ كلهما شقوق. كلهما احمرار، وكأنها جذور البنجر. لا غرابة في ذلك.”.
عندئذ قال لها الرئيس:
” ماريا، ماريا ……”
قاطعته قائلة:
ـ ” يكفي ما حدث لي. ابحث عن مغفلة أخرى تقوم بالعمل، أما أنا فذاهبة إلى المدينة لأحصل على يدين جميلتين، وطلاءٍ لأظافري، وكل أدوات التجميل. سَأُجَمِلُ نفسي مثل تلك الفتاة الجذابة بخصلات شعرها وكل ما لديها”.
ـ ” فقط من أجل…….من أجل عديمات الفائدة هؤلاء، لم تذهبي إلى الزفاف؟”
ـ ” وكيف أذهب؟ فـــ (روشيا) ممرضة، وخطيبها ضابط في الجيش. كل الضيوف سيلبسون ملابس راقية، وتسريحات شعورهم ستكون جذابة. إنها ليست غلطتي أن أقضي اليوم كاملاً ويَدَيَّ في الماء المتجمد، أو أن أغسل أو أن أقلب السماد. ماذا تتوقع أن تبدو يَدَيَّ بعد هذا كله؟”
ـ ” إن لديك يدان من ذهب يا(ماريا). يداك أجمل الأيدي في العالم. يداك أمينة يا(ماريا)”.
ـ ” صحيح، ولكنهما ليست جميلتان بما يكفي لأذهب بهما للمدينة……..”.
ولم تهدأ ماريا إلا عندما عبرت عتبة الحظيرة، وسمعت الخوار البهيج ينطلق من حناجر خمسة وسبعين عجلا.