9 سبتمبر، 2024

“هروب” للقاص : عبدالله الصليح – السعودية

ارشيف

هروب..!

قصة قصيرة

لم يكن زياد يحب السفر أكثر من القراءة، ورغم ذلك..وافق على مرافقة أسرته مع احتفاظه بجدوله اليومي للقراءة، اصطحب معه الكتب التي يقرؤها في الطريق وأثناء التنقل، كان والده سعيدًا لدرجة أن يمدد أيام إجازته أسبوعًا إضافيًا، لم يعلم أن هذا الابن سيخبره أن عليه الرجوع لسوء الحظ، كان أبًا حنونًا لكنه يكابر عن رغباته، فلم يبد اعتراضه سوى على ملامح وجهه، والتي لم تكن كافية لإقناع ابنه بالعدول عن رأيه، ودعهم بينما يحمل ما انهاه من كتبه، ويرد على أمه التي تسأله:
وماذا عن ملابسك؟
فيقول:
لن أحتاج إلى حملها معي..
على الطريق.. أوقف سيارة أجرة، أخبره أنه يريد الذهاب إلى المطار، ولم يفاصله في التكلفة هربًا من نظرات والده التي كانت تناديه لعله يشعر، وفي الطريق سأله صاحب الأجرة عن موعد رحلته، فقال:
لم أحجزها بعدُ،
فرد عليه:
لا يمكنك السفر إذا، فأكثر الرحلات إلى الرياض مشغولة فهذا موسم الإجازة!
صمت قليلاً يفكر في حل لورطته، ثم سأله:
وكيف أسافر الآن؟
قال صاحب الأجرة:
بإمكانك الذهاب عن طريق السيارة برًا، وسيكلفك ما هو أقل من تذكرة الطيران.
وافق دون تفكير.. ومرت الدقائق ليقف مجددًا يحمل كتبه ويبحث عن سائق بين المتهافتين، لم يطل الوقت حتى وجد نفسه بين أربعة ركاب يسيرون باتجاه الطريق السريع..
كان الصمت مخيمًا على الجميع، والظلام الدامس يدثر أحلامهم، وسط غلبة الهدوء وهدهدة الظلام مال السائق برأسه يستمع لسلطان النوم، وأغمض عينيه باستسلام، فانحرفت السيارة بهدوء حتى اصطدمت بالرصيف الذي لم يكن مرتفعًا، لكن صوت الاصطدام كان كفيلاً بإيقاظ كل شيء، هلع الجميع وهم يتلفتون باستثناء السائق الذي أدار المقود بسرعة ليعود إلى الطريق، وارتفع صوت من بجواره ينهره لانشغاله، برر ذلك بانقطاعه عن النوم ليومين متواصلين، ما جعلهم ينطقون في تناغم بسؤاله عما إذا كان يريدهم أن يقودوا بدلاً عنه، وسرعان ما وقع اختياره على المقعد الذي بجواره، هنا يستطيع النوم بارتياح وعلى من يجلس فيه أن يقود، فأوقف سيارته وتبادلا الأماكن ليسود الصمت مجددًا، كانت قيادة البديل أكثر حرصًا على الوصول ليس على السلامة، مرت الدقائق سريعا قبل أن ينبعث الدخان بكثافة رهيبة، فيتوقف السائق بسرعة وينطلق محاولاً إطفاء ما لم يشتعل..
جلس الركاب في هدوء يتنافى مع الموقف، لم يبد أي منهم رغبة في التصرف حيال هذا الموقف، فكر زياد في البحث عن حلول تذيب حاجز الجمود فاتصل بأمن الطرق الذي زوده برقم شاحنة لنقل السيارات، وسرعان ما كانوا في سيارتهم مجددًا فوق الشاحنة، دار حوار حول استلام تكلفة النقل مقدمًا نظرًا لهذا العطل الطارئ، وافقوا جميعًا، وسرعان ما وصلت الشاحنة لأقرب محافظة إليهم، توقفوا في محطة مظلمة، تسكنها الأسئلة، وليس فيها ما يدل على إجابات، خيم الهدوء عليهم قبل أن يخبرهم سائق الشاحنة ألا مفر من إكمال الطريق حتى الرياض، ولم يترك لهم حرية الاختيار قبل أن يصعب الأمر قليلا فيقول إن من الممنوع نظامًا ركوب المسافرين داخل سيارتهم بينما تنقلها شاحنة، فيتوجب على بعضهم البقاء بحثًا عن حلول أخرى، ولم يكن هناك بد من أن يقرر زياد البقاء، وأردف بأن عليه أن يسترد مبلغه كاملاً مقابل هذا القرار، وكان له ما أراد، سرعان ما فرغت تلك المحطة من كل شيء سوا مسافر حائر..
حاول زياد الخروج على حافة الطريق ظنًا منه أنه سيجد بين العابرين من يحفل به، لكن قصة الصحف حول تحويل إحدى الزوجات إلى أرملة لأن زوجها توقف لعابر كانت تجعل السائقين يتجاوزونه مسرعين، مرت ساعة دون أي بادرة لهذا الحل، راقب من بعيد رجلاً يقول سيارته مقتربًا منه، كان من أهل المحافظة، وكانت تسليته أن يطوف بالغرباء ليخبرهم أن هذا المكان لا يتسع لهم، سأله بتردد حول أقرب مركز لنقطة تفتيش؟ فرد عليه بعد نظرات متفحصة: على بعد دقيقتين من هنا؟ ثم عرض عليه أن يقوم بتوصيله مقابل علبة سجائر، وابتسم بينما يأخذ أجرته ليقف أمام نقطة التفتيش ويشير إليها بينما تفتش يده عن قداحته، وعلى الطريق مجددًا لم يعد من الصعب إيجاد مسافر وحيد متململ يتعثر بغريب يحتاج رفقته ويحمل كتبًا..!