29 مارس، 2024

“للحبِّ طعمُ الإحترق” للقاص : ناظم علاوي – العراق

كرتون

ارشيف

للحبِّ طعمُ الإحترق

قصة قصيرة

تحلزن!؟
… استفاقَ حُلمهُ، ثم صَفعَه بِقشرتهِ البغيضة، فغاصَتْ خلاياهُ في عفونة مُرَّة، أيامه اعتادت يباساً سفيهًا، ليال مُجعّدَة انسدلتْ لتعلن مغادرةَ آخر خصلة شَعرٍ في شغاف قلبه، لتصرخ بصوت عال:
لن نلتقيَّ أبداً، إننا أفقان مُتوازيان.!
مَضَت، تَركَتهُ قوقعَةٌ ملتصقة بأذيال ريح تقذفه، نهايةٌ لم تكن لها بداية.؟ تَعوَّد منذ عدة سنين امتِصاص مرارَتهِ.! امتطى ساقيه، فانفَلَتَت على إسفلت كان ولا زال يتراقص بانتظام بارد، وسكونٍ مقيت.! تعانَقتْ أيامه بعد أن لامست المياه صحراء قلبهِ المجدبة، ثم تركته يأكلُ اخضراراً آخر، هذا الإخضرار أحاله إلى شذوذ يوسع مديات صحرائه القاحلة؛ رَحَلتْ.!
اختفَتْ مع المدى لتَترُكه عَجلة تَدور في مَحلِّها، لم يستبح لإذُنَيه الإصغاء، وهكذا لاكت صَوتها المنبعث في الهاتف: من الأفضل أن نفترق.! تَركَته كما سواد ليل أغطش، تلك التي أشعلتهُ كلفافة تبغ رخيص؛ لتذيقه حقارة مرممة.!
صَمتَ، سَكَبتهُ شيخوخة هرمة مفعمة بالجفاف ذلك الذي تَكَّون مَعها (عاشق عشتار)، كان مُكَوَّناً من مقطع واحد وأربعة حروف، تحاملَ على أوجاع عمر ضائع.! ذلك النبض البغيض، لتَصفَعُه بكلمات لها طعم موت كريه، مغلفةً بوجهِ سعادةٍ مشوهة.! تَجشأ أفراحَه النتنة ورماها إلى محرقة موبوءة بالأنين، والألم. ذلك الأمان غادَرهُ، تَرَكهُ مجرد حرف مهمل ينوء بثقل تاريخهِ الهجين.؟ معها ولأجلها أراد أن يدير ظهره للعالم، أَحبَّها هكذا، تَنتشلَهُ من خِضم زمن امتلأَ بأمواج الحرائق والأنقاض، لتُرمِّمه وتُبدِّد بصدرها الحنون ارتعاشات رَجل مُشرئِب بإحباطات مريرة.! كان معها شجرة أشرعت فروعها للريح؛ أحَسّ بالأمان معها – علَّمتْه معنى الحب – وخطوط كَفِّه المُتعرجة، صفحة مضطربة الأمان أمام عَينَيْ صَديقَتها المُتوهِجَةِ نُضجاً وهي تَهمُس لَهُ:
أَعْرِفُها أكثر مما أَعرِفُ نفسي.؟ فأحْذَرها.!؟
يعلمُ إنها تُشاركهُ أفراحَهُ، (تمنى أن يكون عند مفترق اغترابها مجردَ كَلمةٍ تَئِنُ في صحيفة قديمة تَدوسُها الأقدام)، قال لها:
صَدِّقيني أحبها.!؟
هذه الكلمة التي جَفت حروفها على لسانه، وغادَرت رأسه قبلَ نضوج وحدتِه المستَرخية، إذ كانَ يَرسُم لها صوراً عديدة ببلاهة صبيانية، هو الذي تجاوز رُبعُ قَرن من عمره.! امرأة مسكونة بأنوثة النساء كلها، غادة سمراء احتوت جفاف قلبه البارد.! هو مُجرد رجل مكوّم يَرتجف على رصيف بالكاد تململ من مأساته؛ رجل مغمور بأزمات ماضيهِ وهو يجتره جراحات تنز حلماً كئيباً، أخذته أو هكذا، توهم.! ثم رَمتهُ إلى هاوية بلا اكتراث لاعنة أيامه وحظها معه، لتَترُكه حشرة متلفعة بغبار حزين.؟
إبتَعَدَت مع الطيف الواسع أمامه، لم يكن حبهُ لها أغنية ردَّدها العشاق وَمضوا، أو كضحكة طفل بلا معنى أطلقها، أو كومضة رَعٍد حُبلى بالمطر سَقطَت على أرض يَباس فأينَعت، وربما لحلم إنبثق في سبات مجنون.! دَعتهُ؛ طَلبتهُ على نحو خاص فأقبل إليها مثل زجاجة شفافة يعتليها خط أحمر، وكخمر معتق وببراءة صبيانية سَحبتهُ بيديها الرقيقتين والجميلتين وهي ترميه أو لنقل تقذفُهُ؛ بصوتها الشفاف وسحرهُ الشيطاني، لتمزقه الأوهام والأحلام.! مضت بعيداً.
تلبَّسهُ صمتٌ اعتاد أن يراهُ بعيداً عنه، لكنه الآن يخشاه، ليدركَ بأنه، قد أضاع ماضيه ووقتهُ الطويل، أخذَ لُفافة تبغ ليحرق بها أوجاع شفتيه، وهو ينساح مثل ظلال باردة، بالضبط هكذا، أزقته القديمة تبارك يأساً آخر، ليردد: لم أكُن أدري.!؟ أن للحب طعم الاحتراق.!؟