28 مارس، 2024

“صاحب الخردة” للقاص : محمد الرياني – السعودية

ارشيف

صاحب الخردة

قصة قصيرة

أحاصره بأسئلتي دائما ، وبعض الأوقات يتهرّب مني كي لا أسأله سؤالي المعتاد ، لماذا لاتبيع هذه السيارة الخردة التي تأخذ نصف الشارع ؟ أستفزه أحيانا بمنظرها الذي يدعو للشفقة ، كثيرا ما أرى الأطفال يقعدون خلف مقودها وهم يمارسون القيادة وهي لاحراك فيها ، يزداد حالها سوءا يوما بعد يوم ، فمرة يكسرون زجاجها الأمامي ومرة الخلفي ، قلت له يوما:
أخشى أن تكون توالدتْ فيها القطط وسكنتْ فيها الثعابين!
أعجبتني فخامتها على الرغم من قِدم تاريخ صناعتها، فمقاعدها المصنوعة من الجلد والإكسسوارات التي تتجمل بها تشهد على ذلك ، سألته عن ذلك فلم يحدد شخصا بعينه ويبدو أن بعضهم يحب التغيير فلا يأبه بقيمة البيع أو المشتري ، عرض عليّ يوما شراءها وبيعها لأحد مشتري الخردة ، ضحكتُ منه وعليه:
هل أنتَ بعقلك ، تريدني أن أشتريها وأنا شاهد على تاريخ سكنها في هذا الشارع؟
قرر أخيرا أن يبيعها ، بشّرني بذلك ، استوقفني يوما وقال:
أبشرك بأني بعتُ السيارة وسأسْلَمُ من أسئلتك!
ضحكتُ على طريقته في الحوار وقلتُ له :
ادفع بثمنها مقدما لسيارة جديدة حتى لاتكرر مأساة سيارة قديمة كثيرة الأعطال والتكاليف!
آخر يوم رأيتُ فيه تلك السيارة عندما حضر مشتريها ، رأى فضولي فناداني لمساعدته ، لم أتردد ، دخلتُ معه فيها وأنا أراقب رجلي خوفا عليها من حية أو عقرب ، بدأ يتفقدها من الداخل ، ندمتُ على عدم شرائي لها فهي تصلح أن تكون في متحف ، في آخر جيوبها الداخلية التي تفقدها صاحبها الجديد كانت المفاجأة ! قطعة ألماس ثمينة تختبىء في مخبأ سرّي، نظر في وجهي بدهاء وخبث ، وضع إصبعه على أنفه وقال :
كأنك لم تر ولم تحضر معي !
أقبلتْ سيارة لنقل المعدات ، أخذتها وغادرت ، وضع قطعة الألماس في جيبه ، تناثر حولي غبار كثير برائحة الصدأ ، اتجه بعضه نحو صاحبها القديم ، ضربتُ على صدري وأنا أتخيل تلك الإصبع وهي تنهاني عن إفشاء السر .