10 فبراير، 2025

” أصل وصورة ” للقاص : هانى موسى _ مصر

هانى

هانى

أُقيم حفل الخِطبة ، بعد طول انتظار للأهل فى مصر، لحين عودتهما بعدما أقنع كل طرف أهله بحُسْن اختياره ، ضحكات تُزين الوجوه هنا وشموع و غناءُ هناك ،امتلأ بيت العروس بالأقارب والأحباب ،اليوم أم العروس فرحتها كبيرة.لكن فرحة “ثريا” أم العريس لا تسعها أرض ولا سماء، فأخيرًا يخطب ولدها البكر بعد سنوات طوال، عزف فيها الطبيب الذى اقترب من نهاية عقده الرابع ،عن الزواج بعدما عجزت كل الكلمات والمحايلات ، أن تقربه لشطره الآخر، وتدفعه للارتباط بشريكة لدربه، لكنها استطاعت وكأنها أوتيت عٍلماً، لدنيّاً يفوق دراستها للطب أن تعيده للحياة ،من جديد فداوت بالغربة التى جمعتهما ، فى دولة الكويت ألمه وعالجت جراحه، بعد طول نزف أصاب قلبه برقتها وجمال خصالها، فأصبحت روحه ،تسرى أنفاسها بأوردته ، لا يرى سواها فى زحام الحياة، وتقلبات الفصول على ظهر السنين ،فجأة والبسمة تلتف وجوه الحاضرين جميعهم، والفرح يرفرف بأجنحته، فى كل مكان حولهم وقفت ثريا، تجتذبها صورة فى منزل عروس ولدها ،ما هذه الصورة التى امتلكت بصرها وعقلها إلى هذا الحد ؟! أخذت تقترب من الصورة، ثم تبتعد، ظلت هكذا ،دواليك والقلب بين جنباتها يرتجف، لحظات تحملها بين الأمل والألم ، ملامح الوجه تتغير ، خطواتها تتألم، العالم الفسيح يضيق بعينيها ،تعتصرها فكرة بعد فكرة، وهْمّ بعد هْمّ، لكن الحسرة أقعدتها جانباً ،من حفلهم تكابد أحزانها تقاوم ضجرها ،شارد ذهنها ،تتصنع بسمتها، تتحدث الى المحيطين بها ،وهى لا تعى ما تقول؛ تتسأل ماذا عساها أن تفعل، لو أصبح الشك يقينًا فكيف السبيل؟! أبعدما تحققت فرحتى ،بعد كل هذه السنوات من رفضه الزواج، بسبب ما أصابه بعد مقتل والده ؛وهو فى مرتع صباه بقريتنا فى سوهاج؟! يا لألم الذكرى وقسوة التذكر ! يا حبيب قلبى ،يا من دفعت حياتك ثمناً ،لأنك فقط من أبناء عائلة القسطاوى ،كنت دائمًا تأبّى كل ميراث لجهل الثأر، ولكنك وحدك من تجرعت كأسه حتى الثمالة ! أسرعت بها الأحزان؛ تسأل العروس عن صاحب الصورة، فأجابتها،وياليتها ما أجابتـــها !عادت إلى مقعد أحزانها، ممزقة الأوصال تندب حظهم ،رُحماك ربى ! إن الذى أشقانىّ وألمنىّ بعدك ،هو من تداوى ابنته اليوم؛ جراح ولدك وكأنها أصبحت طبيبة للقلوب ،قبل أن تكون طبيبة لأمراض النساء ! يا للقدر الذى اختارها؛ دون كل النساء لتغتفر خطيئة أبيها من قلوبنا، بعدما نال القانون منه وحُكم عليه بالاعدام ! ويالأحكام القدر التى جمعت قلوب العاشقين ،على غير موعد وبلا حساب لآلام الماضى وأوجاعه! لكن الجراح وأوجاع السنين ؛وغربتنا فى ليالى القاهرة بحثًا عن لقمة العيش ،و حياة آدميةٍ بلا دماء على كل وجه للنهار ، هل أنساها أنا أو أولادى ؟ واذا تناسيناها لبعد المكان؛ فهل يقدر على نسيان ذلك ،من تخالط عيناه عينيها كل وقت وآن ؟! ومن تعانق روحه روحها كل مساء ؟! فاض الحفل بضيوفه؛ وثريا تتألم وجعاً والناس يباركونها ،ويقاسمونها فرحتها ،يا لأحكام القدر! أهذه الفتاة من بين كل نساء العالم؛ اختارها قلب ولدي ؟!ماذا سيفعل لو عرف الحقيقة المرة ؟! هل أقتل فرحة فؤادى وفلذة كبدى؟! أو من الأفضل أن يبقى سرًا مقبورًا، بجوار غيره؛ من هموم السنين بداخلى وحدى ؟! وهل يفيد من أمر ما مضى شىء إذا أعلنته ؟ ظلت هكذا تعيش لحظاتها، بين ألم الأمس ومسئولية الغد ، تصارع أفكارها؛ تُلمْلم أحزانها من دروب السنين الماضية ؛وأفراح العروسين قد بلغت الخافقين. جاء المأذون تستقبله الزغاريد والشموع، وحبات الحلوى المتناثرة فى أرجاء المكان؛ والتف الجميع حول العروسين يشاركونهما ، أجمل لحظات العمر وميثاق أهل الأرض بالسماء. نظر العريس إلى أمه ؛كى تحضر منديلها الذى اشترته، خصيصًا لتلك اللحظة الجميلة؛ التى طالما حلُمت بها لكنهم وجدوا منديلها مبلل بدموعها! تبسموا وظنوا أنها أهدتـــــــــهم، دمـــوع فرحتــــها !